فأظهر ولم يضمر لئلا يتقيد بالمذكورين سابقاً فيخص هذه الغزوة فقال :﴿من المؤمنين﴾ أي الكمل ﴿رجال﴾ أي في غاية العظمة عندنا، ثم وصفهم بقوله :﴿صدقوا﴾ ولما كان العهد عند ذوي الهمم العلية، والأخلاق الزكية، لشدة ذكرهم له ومحافظتهم على الوفاء به، وتصوره لهم حتى كأنه رجل عظيم قائم تجاههم، يتقاضاهم الصدق، عدى الفعل إليه فقال :﴿ما عاهدوا الله﴾ المحيط علماً وقدرة وجلالاً وعظمة ﴿عليه﴾ أي من بيع أنفسهم وأموالهم له بدخولهم في هذا الدين الذي بنى على ذلك فوفوا به أتم وفاء، وفي هذا إشارة إلى أبي لبابة بن المنذر رضي الله عنه، وكان من أكابر المؤمنين الراسخين في صفة الإيمان حيث زل في إشارته إلى بني قريظة بأن المراد بهم الذبح، كما تقدم في الأنفال في قوله تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم﴾ [الأنفال : ٢٧] فذهب من حينه وربط نفسه تصديقاً لصدقه في سارية من سواري المسجد حتى تاب الله عليه وحله رسول الله ﷺ بيده الشريفة.
ولما ذكر الصادقين، وكان ربما فهم أن الصدق لا يكون إلا بالقتل، قسمهم قسمين مشيراً إلى خلاف ذلك بقوله :﴿فمنهم من قضى﴾ أي أعطى ﴿نحبه﴾ أي نذره في معاهدته، أنه ينصر رسول الله ﷺ ويموت دونه، وفرغ من ذلك وخرج من عهدته بأن قتل شهيداً، فلم يبق عليه نذر كحمزة بن عبدالمطلب ومصعب بن عمير وعبدالله بن جحش وسعد بن الربيع وأنس بن النضر الذي غاب من غزوة بدر فقال : غبت عن أول قتال فيه النبي ﷺ، لئن أشهدني الله قتالاً ليرين الله ما أصنع، فلما انهزم من انهزم في غزوة أحد قال : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركين - ومما صنع هؤلاء - يعني المنهزمين من المسلمين.


الصفحة التالية
Icon