وقاتل حتى قتل بعد بضع وثمانين جراحة من ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :"نرى هذه الآيات نزلت في أنس بن النضر ﴿من المؤمنين رجال﴾" - انتهى، وغير هؤلاء ممن قتل قبل هذا في غزوة أحد وغيرها، وسعد بن معاذ ممن جرح في هذه الغزوة وحكم في بني قريظة بالقتل والسبي، ولم يرع لهم حلفهم لقومه، ولا أطاع قومه في الإشارة عليه باستبقائهم كما استبقى عبدالله بن أبي المنافق بني قينقاع ولا أخذته بهم رأفة غضباً لله ولرسوله رضي الله عنه، وممن لم يقتل في عهد النبي ﷺ طلحة بن عبيد الله أحد العشرة رضي الله عنهم ثبت في أحد وفعل ما لم يفعله غيره، لزم
٩٣
النبي ﷺ فلم يفارقه، وذب عنه ووقاه بيده حتى شلت إصبعه النبي ﷺ أنه ممن قضى نحبه، فالمراد بالنحب هنا العهد الذي هو كالنذر المفضي إلى الموت، وأصل النحب الاجتهاد في العمل، ومن هنا استعمل في النذر لأنه الحامل على ذلك ﴿ومنهم﴾ أي الصادقين ﴿من ينتظر﴾ قضاء النحب إما بالنصرة، أو الموت على الشهادة، أو مطلق المتابعة الكاملة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٠
ولما كان المنافقون ينكرون أن يكون أحد صادقاً فيما يظهر من الإيمان، أكد قوله تعريضاً بهم :﴿وما بدلوا تبدبيلاً﴾ أي وما أوقعوا شيئاً من تبديل بفرتة أو توان، فهذا تصريح بمدح أهل الصدق، وتلويح بذم أهل النفاق عكس ما تقدم، روى البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : لما نسخنا الصحف بالمصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت كثيراً أسمع النبي ﷺ يقرأها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري - رضي الله عنه - الذي جعل رسول الله ﷺ شهادته شهادة رجلين ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه﴾.


الصفحة التالية
Icon