ولما كانت توبة المنافقين مستعبدة لما يرون من صلابتهم في الخداع وخبث سرائرهم، قال معللاً ذلك كله على وجه التأكيد :﴿إن الله﴾ أي بما من الجلال والجمال ﴿كان﴾ أزلاً وأبداً ﴿غفوراً رحيماً﴾ يستر الذنب وينعم على صاحبه بالكرامة، أما في الإثابة لكل فالرحمة عامة، وأما في تعذيب المنافق فيخص الصادقين، لأن عذاب أعدائهم من أعظم نعيمهم، وفي حكمه بالعدل عموم الرحمة أيضاً، فهو لا يعذب أحداً فوق ما يستحق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٠
ولما ذكرهم سبحانه نعمته بما أرسل على أعدائهم من جنوده، وبين أحوال المنافقين والصادقين وما له في ذلك من الأسرار، وختم بهاتين الصفتين، قال مذكراً بأثرهما فيما خرقه من العادة بصرف الأعداء على كثرتهم وقوتهم على حالة لا يرضاها لنفسه عاقل، عاطفاً من قوله في أول السورة والقصة ﴿فأرسلنا﴾ :﴿ورد الله﴾ أي بما له من صفات الكمال ﴿الذين كفرورا﴾ أي ستروا ما دلت عليه شموس عقولهم من ادلة الوحدانية وحقية الرسالة، وهم من تحزب من العرب وغيرهم على رسول الله ﷺ إلى بلادهم عن المدينة ومضايقة المؤمنين، حال كونهم ﴿بغيظهم﴾ الذي أوجب لهم التحزب ثم الذي أوجب لهم التفرق من غير طائل حال كونهم ﴿لم ينالوا خيراً﴾ لا من الدين ولا من الدنيا، بل خذلهم بكل اعتبار.
ولما كان الرد قد يكون بسبب من عدوهم، بين أن الأمر ليس كذلك فقال :﴿وكفى الله﴾ أي العظيم بقوته وعزته عباده، ودل على أنه ما فعل ذلك إلا لأجل أهل الإخلاص فقال :﴿المؤمنين القتال﴾ بما ألقى في قلوبهم من الداعية للانصراف بالريخ والجنود من الملائكة وغيرهم منهم نعيم بن مسعود كما تقدم.
ولما كان هذا أمرأ باهراً، أتبعه ما يدل على أنه عنده يسير فقال :﴿وكان الله﴾ أي الذي له كل صفة كمال دائماً أزلاً وأبداً ﴿قوياً﴾ لا يعجزه شيء ﴿عزيزاً﴾ يغلب كل شيء.
٩٥


الصفحة التالية
Icon