ولما أتم أمر الأحزاب، أتبعه حال الذين ألّبوهم، وكانوا سبباً في إيتانهم كحيي بن أخطب والذين مالأوهم على ذلك، ونفضوا ما كان لهم من عهد، فقال :﴿وأنزل الذين ظاهروهم﴾ أي عاونوا الأحزاب، ثم بينهم بقوله مبغضاً :﴿من أهل الكتاب﴾ وهم بنو قريظة ومن دخل معهم في حصنهم من بني النضير كحيي، وكان ذلك بعد إخراج بني قنيقاع وبني النضير ﴿من صياصيهم﴾ أي حصونهم العالمية، جمع صيصية وهي كل ما يتمنع به من قرون البقر وغيرها مما شبه بها من الحصون.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٥
ولما كان الإنزال من محل التمنع عجباً، وكان على وجوه شتى، فلم يكن صريحاً في الإذلال، فتشوفت النفس إلى بيان حاله، بين أنه الذي فقال عاطفاً بالواو ليصلح لما قبل ولما بعد :﴿وقذف في قلوبهم الرعب﴾ أي بعد الإنزال كما كان قذفه قبل الإنزال، فلو قدم القذف على الإنزال لما أفاد هذه الفؤائد، ولا اشتدت ملاءمة ما بعده للإنزال.
ولما ذكر ما أذلهم به، ذكر ما تأثر عنه مقسماً له فقال :﴿فريقاً﴾ فذكره بلفظ الفرقة ونصبه ليدل بادئ بدء على أنه طوع لأيدي الفاعلين :﴿تقتلون﴾ وهم الرجال، وكان نحو سبعمائة.
ولما بدأ بما يدل على التقسيم مما منه الفرقة، وقد أعظم الأثرين الناشئين عن الرعب، أولاه الأثر الآخر ليصير الأثران المحبوبان محتوشين بما يدل على الفرقة فقال :﴿وتأسرون فريقاً﴾ وهو الذراري والنساء، ولعله أخر الفريق هنا ليفيد التخيير في أمرهم، وقدم في الرجال لتحتم القتل فيهم.


الصفحة التالية
Icon