الناس أنه يريد نكاح زوجة ابنه، وكان في إظهار ذلك أعلام من أعلام النبوة، وكان مبنى أمر الرسالة على إبلاغ الناس ما أعلم الله به أحبوه أو كرهوه، وأن لا يرعى غيره، ولا يلتفت إلى سواه وإن كان في ذلك خوف ذهاب النفس، فإنه كافٍ من أراد بعزته، ومتقن من أراد بحكمته، كما أخذ الله الميثاق به من النبين كلهم ومن محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ﷺ فكان من المعلوم أن التقدير : اذكر ما أخذنا منك ومن النبيين من الميثاق على إبلاغ كل شيء أخبرناكم به ولم ننهكم من إفشائه وما أخذنا على الخلق في كل من طاعتك ومعصيتك، عطف عليه قوله :﴿وإذ تقول﴾ وذلك لأن الأكمل يعاتب على بعض الكمالات لعلو درجته عنها وتحليه بأكمل منها من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين "، وبين شرفه بقوله :﴿للذي أنعم الله﴾ أي الملك الذي له كل كمال ﴿عليه﴾ أي بالإسلام وتولى نبيه ﷺ إياه بعد الإيجاد والتربية، وبين منزلته من النبي ﷺ بقوله :﴿وأنعمت عليه﴾ أي بالعتق والتبني حين استشارك في فراق زوجه الذي أخبرك الله أنه يفارقها وتصير زوجتك :﴿أمسك عليك زوجك﴾ أي زينب ﴿واتق الله﴾ أي الذي له جميع العظمة في جميع أمرك لا سيما ما يتعلق بحقوقها ولا تغبنها بقولك : إنها تترفع عليّ - ونحو ذلك ﴿وتخفي﴾ أي والحال أنك تخفي، أي تقول له مخفياً ﴿في نفسك﴾ أي مما أخبرك الله من أنها ستصير إحدى زوجاتك عن طلاق زيد ﴿ما الله مبديه﴾ أي بحمل زيد على تطليقها وإن أمرته أنت بإمساكها وتزويجك بها وأمرك بالدخول عليها، وهو دليل على أنه ما أخفى غير ما أعلمه الله تعالى من أنها ستصير زوجته عن طلاق زيد لأن الله تعالى ما أبدى غير ذلك ولو أخفى غيره لأبداه سبحانه لأنه لا يبدل القول لديه، روى البخارى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن هذه الآيات نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة رضي الله عنهما.


الصفحة التالية
Icon