ولما كان الكافرون - المجاهرون منهم والمساترون - ينكرون الرسالة وما تبعها، أكد قوله في أمرها وفخمه فقال :﴿إنا أرسلناك﴾ أي بعظمتنا بما ننبئك به إلى سائر خلقنا ﴿شاهداً﴾ أي عليهم ولهم مطلق شهادة، لأنه لا يعلم بالبواطن إلا الله، وأنت مقبول الشهادة، فأبلغهم جميع الرسالة سرهم ذلك أو ساءهم سرك فعلهم أو ساءك.
١١٥
ولما كان المراد الإعلام برسوخ قدمه في كل من هذه الأوصاف، عطفها بالواو فقال :﴿ومبشراً﴾ أي لمن لهم يخير بما يسرهم، وأشار إلى المبالغة في البشارة بالتضعيف لما لها من حسن الأثر في إقبال المدعو وللتضعيف من الدلالة على كثرة الفعل والمفعول بشارة بكثرة التابع وهو السبب لمقصود السورة، وكانت المبالغة في النذارة أزيد لأنها أبلغ في رد المخالف وهي المقصود بالذات من الرسالة لصعوبة الاجتراء عليها فقال :﴿ونذيراً﴾ أي لمن شهدت عليهم بشر بما يسوءهم ﴿داعياً﴾ أي للفريقين ﴿إلى الله﴾ أي إلى ما يرضي الذي لا أعظم منه بالقول والفعل، وأعرى الدعاء عن المبالغة لأنه شامل للبشارة والنذارة والإخبار بالقصص والأمثال ونصب الأحكام والحدود، والمأمور به في ذلك الإبلاغ بقدر الحاجة بمبالغة أو غيرها فمن لم ترده عن غية النذارة، وتقبل به إلى رشده البشارة، حمل على ذلك بالسيف.
ولما كان ذلك في غاية الصعوبة، لا يقوم به أحد إلا بمعونة من الله عظيمة، أشار إلى ذلك بقوله :﴿بإذنه﴾ أي بتمكينه لك من الدعاء بتيسير أسبابه، وتحمل أعبائه، وللمدعو من الإقبال والإتباع أو أراد له الخير.
ولما كان الداعي إلى الله يلزمه النور لظهور الأدلة قال :﴿وسراجاً﴾ يمد البصائر فيجلي ظلمات الجهل بالعلم المبصر لمواقع الزلل كما يمد النور الحسي نور الأبصار.


الصفحة التالية
Icon