وقال أبو جعفر بن الزبير : افتتحت بالحمد لله لما أعقب بها ما انطوت عليه سورة الأحزاب من عظيم الآلاء وجليل النعماء حس ما أبين - آنفاً - يعني في آخر كلامه على سورة الأحزاب - فكان مظنة الحمد على ما منح عباده المؤمنين وأعطاهم فقال تعالى ﴿الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض﴾ ملكاً واختراعاً، وقد أشار هذا إلى إرغام من توقف منقطعاً عن فهم تصرفه سبحانه في عباده بما تقدم وتفريقهم بحسب ما شاء فكأن قد قيل : إذا كانوا له ملكاً وعبيداً، فلا يتوقف في فعله بهم ما فعل من تيسير للحسنى أو لغير ذلك مما شاءه بهم على فهم علته واستطلاع سببه، بل يفعل بهم ما شاء وأراد من غير حجر ولا منع ﴿وهو الحكيم الخبير﴾ وجه الحكمة في ذلك التي خفيت عنكم، وأشار قوله " وله الحمد في الآخرة " إلى أنه سيطلع عباده المؤمنين - من موجبات حمده ما يمنحهم أو يضاعف لهم من الجزاء أو عظيم الثواب في الآخرة - على ما لم تبلغه عقولهم في الدنيا ولا وفت به أفكارهم ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ [السجدة : ١٧] ثم أتبع سبحانه ما تقدم من حمده على ما هو أهله ببسط شواهد حكمته وعلمه فقال تعالى ﴿يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيه﴾ إلى قوله ﴿وهو الحيم﴾ فبرحمته وغفرانه أنال عباده المؤمنين ما خصهم به وأعطاهم، فله الحمد الذي هو أهله، ثم أتبع هذا بذكر إمهاله من كذب وكفر مع عظيم اجترائهم لتتبين سعة رحمته ومغفرته فقال تعالى ﴿وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة﴾ إلى قوله :﴿إن في ذلك لآية لكل عبد منيب﴾ أي إن في إمهاله سبحانه لهؤلاء بعد عتوهم واستهزائهم في قولهم ﴿لا تأتينا الساعة﴾ وقوله :﴿هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق أنكم لفي خلق جديد﴾ وإغضائهم عن الاعتبار بما بين أيديهم من السماء والأرض وأمنهم أخذهم من أي الجهات وفي إمهالهم وإدرار أرزاقهم مع عظيم مرتكبهم آيات لمن أناب واعتبر، ثم بسط لعباده