ولما كان الحاصل من هذا المتقدم أنه رب كل شيء، وكان الرب لا تنتظم ربوبيته إلا بالرفق والإصلاح، وكان ربما ظن جاهل انه لا يعلم أعمال الخلائق لأنه لو علمها ما أقر عليها، اعلم أن رحمته سبقت غضبه، ولذلك قدم صفة الرحمة، ولأنه في سياق الحمد، فناسب تقديم الوصف الناظر إلى التكميل على الوصف النافي للنقص فقال :﴿وهو﴾ أي والحال أنه وحده مع كثرة نعمه المقيمة للإبدان ﴿الرحيم﴾ أي المنعم بما ترضاه الإلهية من إنزال الكتب وإرسال الرسل لإقامة الأديان ﴿الغفور*﴾ أي المحاء للذنوب أما من اتبع ما أنزل من ذلك كما بلغته الرسل فبالمحو عيناً وأثراً حتى لا يعاقبهم على ما سلف منها ولا يعاتبهم، وأما غيره فالتكفير بأنواع المحن أو التأخير إلى يوم الحشر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٤
١٥١
ولما ثبتت حكمته بما نشاهد من محكم الأفعال وصائب الأقوال، فثبت بذلك علمه لأن الحكمة لا تكون إلا بالعلم، وكان الرب الرحيم العليم لا تكمل ربوبيته إلا بالملك الظاهر والأيالة القاهرة التي لا شوب فيها، ثبت البعث الذي هو محط الحكمة وموضع ظهور العدل، فكانت نتيجة ذلك : فالله يأتي بالساعة لما ثبت من برهانها كما ترون، فعطف عليه قوله :﴿وقال الذين كفروا﴾ أي ستروا ما دلتهم عليه عقولهم من براهينها الظاهرة :﴿لا تأتينا الساعة﴾ والإخبار عنها باطل.