ولما كان الإنسان قد يكتب الشيء ثم يغيب عنه وينسى مكانه فيعجز في استخراجه أخبر أن كتابه على خلاف ذلك، بل هو حيث لا يكشف من يريد اطلاعه عليه شيئاً إلا وجده في الحال فقال :﴿مبين*﴾ ويجوز - ولعله أحسن - إذا تأملت هذه مع آية يونس أن يعطف على مثقال، ويكون الاستثناء منقطعاً، ولكن على بابها في كونها بين متنافيين، فإن المعنى أنه لا يغيب ولا يبعد عنه شيء من ذلك لكنه محفوظ أتم حفظ في كتاب لا يراد منه كشف عن شي إلا كان له في غاية الإبانة، ولعله عبر بأداة المتصل إشارة إلى أنه إن كان هناك عزوب فهو على هذه الصفة التي هي في غاية البعد عن العزوب، ثم بين علة ذلك كله دليلاً على صدق القسم بما ختمت به الأحزاب من حكمة عرض الأمانة مما لا يمتري ذو عقل ولو قل في صحته، وأنه لا يجوز في الحكمة أن يفعل غيره فقال :﴿ليجزي الذين آمنوا﴾ أي فإنه ما خلق الأكوان إلا لأجل الإنسان، فلا يجوز ان يدعه بغير جزاء :﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾.
ولما التفت السامع إلى معرفة جزائهم، أوردة تعظيماً لشأنه، جواباً للسؤال مشيراً إليه بما دل على علو رتبته بعلو رتبة أهله :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة ﴿لهم مغفرة﴾ أي لزلاتهم أو هفواتهم لأن الإنسان المبني على النقصان لا يقدر العظيم السلطان حتى قدره ﴿ورزق كريم*﴾ أي جليل عزيز دائم لذيذ نافع شهي، لا كدر فيه بوجه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥١
ولما كانت أدلة الساعة قد اتضحت حتى لم يبق مانع من التصديق لها إلا العناد، وكان السياق لتهديد من جحدها، قال معبراً بالماضي :﴿والذين سعوا﴾ أي فعلوا فعل
١٥٣