ولما كان الإنكار لأئقاً بمقام العظمة، فكان المعنى : إنا نفعل بهما وفيهما ما نشاء، عبر بقوله :﴿إن نشأ﴾ بما لنا من العظمة - على قراءة الجمهور ﴿نخسف﴾ أي تغور ﴿بهم﴾ وأدغم الكسائي إلى أنه سبحانه قد يفعل ذلك في أسرع من اللمح بحيث يدرك لأكثر الناس وقد يفعله على وجه الوضوح وهو أكثر - بما أشارت إليه قراءة
١٥٦
الإظهار للجمهور.
ولما كان الخسف قد يكون لسطح أو سفينة ونحوهما، خص الأمر بقوله :﴿الأرض﴾ أي كما فعلنا بقارون وذويه لأنه ليس نفوذ بعض أفعالنا فيها بأولى من غيره ﴿أو تسقط عليهم كسفاً﴾ بفتح السين على قراءة حفص وبإسكانه على قراءة غيره أي قاطعاً ﴿من السماء﴾ كذلك ليكون شديد الوقع لبعد الموقع المدى عن السحاب ونحوه لأن من المعلوم أنا نحن خلقناهما، ومن أوجد شيئاً قدر على هذه وهذا ما أراد منه، ومن جعل السياق للغيب - وهو حمزة والكسائي - رد الضمير على الاسم الأعظم الذي جعله مطلع السورة.
ولما كان هذا أمراً ظاهراً، أنتج قوله مؤكداً لما لهم من إنكار البعث :﴿إن في ذلك﴾ أي في قدرتنا على ما نشاء من كل منهما والتأمل في فنون تصاريفهما ﴿لآية﴾ أي علامة بينة على أنا نعامل من شئنا فيهما بالعدل بأي عذاب أردنا، ومن شئنا بالفضل بأي ثواب أردنا، وذلك دال على أنا قادرون على كل ما نشاء من الإمانة والإحياء وغيرهما، فقد خسفنا بقارون وآله وبقوم لوط وأشياعهم، وأسقطنا من السماء على أصحاب الأيكة يوم الظلة قطعاً من النار، وعلى قوم لوط حجارة، فأهلكنهم بذلك أجمعين.
ولما كانت الآيات لا تنفع من طبع على العناد قال تعالى :﴿لكل عبد﴾ أي متحقق أنه مربوب ضعيف مسخر لما يراد منه ﴿منيب*﴾ أي فيه قابلية الرجوع عما أبان له الدليل عن أنه زل فيه.


الصفحة التالية
Icon