مسخرة على قراءة شعبة، والتقدير على قراءة الجماعة : سخرناها له حال كونها ﴿غدوها شهر﴾ أي تحمله وتذهب به وبجميع عسكره بالغداة وهي من الصباح إلى نصف النهار مسيرة شهر كان يغدو من إيليا فيقبل بإصطخر ﴿ورواحها﴾ أي من الظهر إلى آخر النهار ﴿شهر﴾ أي مسيرته، فهذه آية سماوية دالة على أنه كما رفع بساط سليمان عليه السلام بما حصل من جنوده وآلاتهم ثم وضعه قادر على أن يضع ما يشاء من السماء فيهلك من تقع عليه، وهذا كما سخر الله الريح للنبي ﷺ في غزوة الأحزاب فكانت تهد خيامهم وتكفأ طعامهم وتضرب وجوهم بالحجارة والتراب وهي لا تجاوز عسكرهم إلى أن هزمهم الله بها، وكما حملت شخصين من أصحابة رضي الله تعالى عنهم في غزوة تبوك فألقتهما في جبلي طي، وتحمل من أراد الله من أولياء أمته كما هو في غاية الشهرة ونهاية الكثرة، وأما أمر الإسراء والمعراج فهو من الجلالة والعظم بحيث لا يعلمه إلا الله مع أن الله تعالى صرفه في آيات السماء بحبس المطر تارة وإرساله أخرى.
ولما ذكر الريح، أتبعها ما هي من أسباب تكوينه فقال :﴿وأسلنا له﴾ أي بعظمتنا ﴿عين القطر﴾ أي النحاس أذبناه له حتى صار كأنه عين ماء، وذلك دال على أنه تعالى يفعل في الأرض ما يشاء، فلو أراد لأسالها كلها فهلك من عليها، ولو أراد لجعل بدل الإسالة الخسف والإزالة.
ولما ذكر الريح والنحاس الذي لا يذاب عادة إلا بالنار، ذكر ما أغلب عناصرة النار، وهو في الخفة والإقدار على الطيران كالريح فقال :﴿ومن﴾ أي وسخرنا له من ﴿الجن﴾ أي الذين سترناهم عن العيون من الشياطين وغيرهم ﴿بين يديه﴾ ولما كان ظن ظان أن لهم استبداداً بأعمالهم نفاه بقوله :﴿بإذن ربه﴾ أي بتمكين المحسن إليه له ولهم بما يريد فعله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٠