ولما أخبر تعالى أنه سخر له الجن، ذكر حالهم في أعمالهم، دلالة على أنه سبحانه يتصرف في السماء والأرض وما فيهما بما يشاء فقال تعالى :﴿يعملون له﴾ أي في أي وقت شاء ﴿ما يشاء﴾ أي عمله ﴿عن محاريب﴾ أي أبنية شريفة من قصور ومساكن وغيرها هي أهل لأن يحارب عليها هي أهل لأن يحارب عليها أو مساجد، والمحراب مقدم كل مسجد ومجلس وبيت، وكان مما عملوه له بين المقدس جدرانه بالحجارة العجيبة البديعة والرخام الأبيض والأصفر والأخضر، وعمدة بأساطين المها الأبيض الصافي مرصعاً سقوفه وجدرانه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر وسائر الطيب، وبسط أرضه بألواح الفيروزج حتى كان أبهى بيت على وجه الأرض ﴿وتماثيل﴾ أي صوراً حساناً على تلك الأبنية فيها أسرار غريبة كما ذكروا أنهم صنعوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين في أعلاه، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان ذراعين، وإذا قعد أظله النسران، ولم تكن التصاوير ممنوعة.
١٦٣
ولما ذكر القصور وزينتها، ذكر آلات المأكل لأنها أول ما تطلب بعد الاستقرار في المسكن فقال :﴿وجفان﴾ أي صحاف وقصاع يؤكل فيها ﴿كالجواب﴾ جمع جابية، وهي الحوض الكبير الذي يجبى إليه الماء، أي يجمع قيل : كان يجلس على الجفنة الواحدة ألف رجل.
ولما ذكر الصحاف على وجه يعجب منه ويستعظم، ذكر ما يطبخ فيه طعامها فقال :﴿وقدور راسيات﴾ أي ثابتات ثباتاً عظيماً بأن لا ينزع عن أثافيها لأنها لكبرها كالجبال.


الصفحة التالية
Icon