فالمعنى ان الجن كانوا يزجرون ويساقون بها، وقرأها المدنيان وأبو عمرو بالإبدال، وابن عامر من رواية ابن ذكوان والداجوني عن هشام بإسكان الهمزة، والباقون بهمزة مفتوحة ﴿فلما خر﴾ أي سقط على الأرض بعد أن قصمت الأرضة عصاه ﴿تبينت الجن﴾ أي عملت بيناً لا يقدرون معه على تدبيج وتدليس، وانفضح أمرهم وظهر ظهوراً تاماً ﴿أن﴾ أي أنهم ﴿لو كانوا﴾ أي الجن ﴿يعلمون الغيب﴾ أي علمه ﴿ما لبثوا﴾ أي أقاموا حولاً مجرماً ﴿في العذاب المهين*﴾ من ذلك العمل الذين كانوا مسخرين فيه، والمراد إبطال ما كانوا يدعونه من علم الغيب على وجه الصفة، لأن المعنى أن دعواهم ذلك إما كذب أو جهل، فأحسن الأحوال لهم أن يكون جهلاً منهم، وقد تبين لهم الآن جهلهم بياناً لا يقدرون على إنكاره، ويجوز أن تكون " أن " تعليلية، ويكون التقدير : تبين حال الجن فيما يظن بهم من أنهم يعلمون الغيب، لأنهم إلى آخره، وسبب علمهم مدة كونه ميتاً قبل ذلك أنهم وضعوا الأرضة على موضع من العصا فأكلت منها يوماً وليلة، وحسبوا على ذلك النحو فوجدوا المدة سنة، وفي هذا توبيخ للعرب أنهم يصدقون من ثبت بهذا الأمر أنهم لا يعلمون الغيب في الخرافات اللاتي تأتيهم بها الكهان وغيرهم مما يفتنهم والحال أنهم يشاهدون منه كذباً كبيراً، فكانوا بذلك مساوين لمن يخبر من الآدميين عن بعض المغيبات بظن يظنه او منام يراه أو غيره ذلك، فيكون كما قال - هذا مع إعراضهم عمن يخبرهم بالآخرة شفقة عليهم ونصيحة لهم، وما أخبرهم بشيء قط إلا ظهر قبل ادعائه للنبوة وبعده، وأظهر لهم من
١٦٥


الصفحة التالية
Icon