ولما كان المعنى : آيات في أن تخالفوا إبليس فلا تصدقوا ظنه في احتناكهم حيث ﴿لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلاً﴾ [الإسراء : ٦٢] قال مؤكداً لإنكار كل أحد أن يكون صدق ظن إبليس فيه :﴿ولقد﴾ أي كان في ذلك آيات مانعة من اتباع الشيطان والحال أنه قد ﴿صدق﴾.
ولما كان في استغوائهم غالباً لهم في إركابهم ما تشهد عقولهم بأنه ضلال، أشار إلى ذلك بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم﴾ أي على ذرية آدم عليه السلام.
ولما كان في سياق الإثبات لعظمة الله وما عنده من الخير وما له من التصرف التام الداعي ذلك إلى الإقبال إليه وقصر الهمم عليه، عبر بقوله تعالى ﴿إبليس﴾ الذي هو من البلس وهو ما لا خير عنده - والإبلاس - وهو اليأس من كل خير - ليكون ذلك أعظم
١٧٣
في التبكيت والتوبيخ ﴿ظنه﴾ أي في قوله :﴿لأحتنكن ذريته إلا قليلاً﴾ [الإسراء : ٦٢] ﴿ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك﴾ [الحجر : ٣٩] ﴿ولا تجد أكثرهم شاكرين﴾ [الأعراف : ١٧] فكأنه لما قال ذلك على سبيل الظن تقاضاه ظنه الصدق فصدقه في إعمال الحيلة حتى كان ذلك الظن - هذا على قراءة الجماعة بالتخفيف، وأما على قراءة الكوفيين بالتشديد فالمعنى أنه جعل ظنه الذي كان يمكن تكذيبه فيه قبل التحقق صادقاً، بحيث لا يمكن أحداً تكذيبه فيه، ولذلك سبب سبحانه عنه قوله :﴿فاتبعوه﴾ أي بغاية الجهد بميل الطبع والاستلذاذ الموجب للنزوع والترامي بعضهم في الكفران وبعضهم في مطلق العصيان.
ولما كان المحدث عنهم جمعي الناس، عرف به الاستثناء المعرف لقلة الناجين فقال :﴿إلا فريقاً﴾ أي ناساً لهم القدرة على تفريق كلمة أهل الكفر وفض جمعهم وإن كانوا بالنسبة إليهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ﴿من المؤمنين*﴾ أي العريقين في الإيمان، فكانوا خالصين لله مخلصين في عبادته، وأما غيرهم فمالوا معه، وكان منهم المقل ومنهم المكثر بالهفوات والزلات الصغائر والكبارئر.


الصفحة التالية
Icon