جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧١
ولما كان ذلك ربما أوهم أن لإبليس أمراً بنفسه، نفاه بقوله :﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿كان﴾ أصلاً ﴿له عليهم﴾ أي الذين اتبعوه ولا غيرهم، وأعرق فيما هو الحق من النفي بقوله :﴿من سلطان﴾ أي تسلط قاهر لشيء من الأشياء بوجه لأنه مثلهم في كونه عبداً عاجزاً مقهوراً، ذليلاً خائفاً مدحوراً، قال القشيري : هو مسلط، ولو أمكنه أن يضل غيره أمكنه أن يمسك على الهداية نفسه ﴿إلا﴾ أي لكن نحن سلطناه عليهم بسلطاننا وملكناه قيادهم بقهرنا ؛ وعبر عن التمييز الذي هو سبب العلم بالعلم فقال :﴿لنعلم﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿من يؤمن﴾ أي يوجد الإيمان لله ﴿بالآخرة﴾ أي ليتعلق علمنا بذلك في عالم الشهادة في حال تميزه تعلقاً تقوم به الحجة في مجاري عادات البشر كما كان متعلقاً به في عالم الغيب ﴿ممن هو منها﴾ أي من الآخرة ﴿في شك﴾ فهو لا يتجدد له بها إيمان أصلاً، لأن الشك ظرف له محيط به، وإنما استعار
١٧٤
" إلا " موضع " لكن " إشارة إلى أنه مكنه تمكيناً تاماً صار به كمن له سلطان حقيقي.
ولما كان هذا ربما أوقع في وهم نقصاً في العلم أو في القدرة، قال مشيراً إلى أنه سبحانه يسره ﷺ بتكثير هذا الفريق المخلص وجعل أكثره من أمته فقال :﴿وربك﴾ أي المحسن إليك بإخزاء الشيطان بنوتك وإخسائه عن أمتك ﴿على كل شيء﴾ من المكلفين وغيرهم ﴿حفيظ*﴾ أي حافظ أتم حفظ محيط به مدبر له على وجه العلو بعمله الكامل وقدرته الشاملة، فلا يفعل الشيطان ولا غيره شيئاً إلا بعلمه وإذنه.