ولما أثبت سبحانه لنفسه ولذاته الأقدس من الملك في السماوات والأرض وغيرهما ما رأيت، واستدل عليه من الأدلة التي لا يمكن التوصيب إليها بطعن بما سمعت، وكان المقصود الأعظم التوحيد فإنه أصل ينبني عليه كل خير قال :﴿قل﴾ أي با أعلم الخلق! بإقامة الإدلة لهؤلاء الذين شاركوا ما لا يشك في حقارته من له أدنى مسكة :﴿ادعوا الذين زعمتم﴾ أي أنهم آلهة كما تدعون الله لا سيما في وقت الشدائد، وحذف مفعولي " زعم " وهما ضميرهم وتألههم تنبيهاً على استهجان ذلك واستبشاعه، وليس المذكور في الآية مفعولاً ولا قائماً مقام المفعول لفساد المعنى ؛ وبين حقارتهم بقوله :﴿من دون الله﴾ أي الذي حاز جميع العظمة لشيء مما أثبته سبحانه لنفسه فليفعلوا شيئاً مثله أو يبطلو شيئاً مما فعله سبحانه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٤
ولما كان جوابهم في ذلك السكوت عجزاً وحيرة، تواى سبحانه الجواب عنهم، إشارة إلى أن جواب كل من له تأمل لا وقفة فيه بقوله، معبراً عنهم بعبارة من له علم بإقامتهم في ذلك المقام، أو لأن بعض من ادعيت إلآهيته ممن له علم :﴿لا يمكلون﴾ أي الآن ولا يتجدد لهم شيء من ذلك أصلاً.
ولما كان المراد المبالغة في الحقارة بما تعرف العرب قال :﴿مثقال ذرة﴾ ولما أريد العموم عبر بقوله :﴿في السموات﴾ وأكد فقال :﴿ولا في الأرض﴾ لأن السماء ما علا، والأرض ما سفل، والسماوات في العرش، والأرض في السماء، فاستغرق ذلك النفي عنهما وعن كل ما فيهما من ذات ومعنى إلى العرش، وهو ذو العرش العظيم.