ولما كان هذا ظاهراً في نفي الملك الخالص عن شوب المشاركة، نفى المشاركة أيضاً بقوله مؤكداً تكذيباً لهم فيما يدعونه :﴿وما لهم فيهما﴾ أي السماوات والأرض ولا فيما فيهما، وأعرق في النفي فقال :﴿من شرك﴾ أي في خلق ولا مُلك ولا مِلك، وقد انتفى ملكهم لشيء من أنفسهم أو ما أسكن فيها سبحانه من قوة أو منفعة، فانتفى أن يقدروا على إعانة غيرهم، وكان للتصريح مزيد روعة للنفوس وهزة للقلوب وقطع
١٧٥
للأطماع، حتى لا يكون هناك متشبت قويّ ولا واهٍ قال :﴿وما له﴾ أي الله ﴿منهم﴾ وأكد النفي بإثبات الجار فقال :﴿من ظهري*﴾ أي معين على شيء مما يريده، فكيف يصح مع هذا العجز الكلي أن يدعوا كما يدعى ويرجوا كما يرجى ويعبدوا كما يعبد.
ولما كان قد بقي من أقسام النفع الشفاعة، وكان المقصود منها أثرها لا عينها، نفاه بقوله :﴿ولا تنفع﴾ أي في أيّ وقت من الأوقات ﴿الشفاعة عنده﴾ أي بوجه من الوجوه بشيء من الأشياء ﴿إلا لمن﴾ ولما كانت كثافة الحجاب أعظم في الهيبة، وكان البناء للمجهول أدل على كثافة الحجاب، قال في قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي بجعل المصدر عمدة الكلام وإسناد الفعل إليه :﴿أذن له﴾ أي وقع منه إذن له على لسان من شاء من جنوده بواسطة واحدة أو أكثر في أن يشفع في غيره أو في أن يشفع فيه غيره، وقراءة الباقين بالبناء للفاعل تدل على العظمة من وجه آخر، وهو أنه لا افتيات عليه بوجه من أحد ما، بل لا أن ينص هو سبحانه على الإذن، وإلا فلا استطاعة عليه أصلاً.