ولما كان من المعلوم أن الموقوفين في محل خطر للعرض على ملك مرهوب متى نودي باسم أحد منهم فقيل أين فلان ينخلع قلبه وربما أغمي عليه، فلذلك كان من المعلوم مما مضى أنه متى برز النداء من قبله تعالى في ذلك المقام الذي ترى فيه كل أمة جاثية يغشى على الشافعين والمشفوع لهم، فلذلك حسن كل الحسن قوله تعالى :﴿حتّى﴾ وهو غاية لنحو أن يقال : فإذا أذن له وقع الصعق لجلاله وكبريائه وكماله حتى الجماعة بالبناء للمجهول، وأزل هو سبحانه الفزع في قراءة ابن عامر ويعقوب، إشارة إلى أنه لا يخرج عن أمره شيء ﴿عن قلوبهم﴾ أي الشافعين والمشفوع لهم، فإن " فعّل " يأتي للإزالة كقذّيت عينه - إذا أزلت عنها القذى ﴿قالوا﴾ أي قال بعضهم لبعض :﴿ماذا قال ربكم﴾ ذاكرين صفة الإحسان ليرجع إليهم رجاؤهم فتسكن لذلك قلوبهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٤
ولما كام ملوك الدنيا ربما قال بعضهم قولاً ثم بدا له فرجع عنه، أو عارضه فيه شخص من أعيان جنده فينتقض، أخبر أن الملك الديان ليس كذلك فقال :﴿قالوا الحق﴾ أي الثابت الذي لا يمكن أن يبدل، بل يطابقه الواقع فلا يكون شيء يخالفه ﴿وهو العلي﴾ أي فلا رتبة إلا دون رتبته سبحانه وتعالى، فلا يقول غير الحق من نقص علم ﴿الكبير﴾ أي الذي لا كبير غيره فيعارضه في شيء من حكم ؛ روى البخاري في التفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن النبي ﷺ قال :"إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ﴿فإذا فزع عن قلبوهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا﴾
١٧٦