ولما كان من المعلوم أنهم مقرّون بأن ذلك لله وحده كما تقدم التصريح به غير مرة، وكان من المحقق أن إقرارهم بذلك ملزم لهم الإخلاص في العبادة عند كل من له أدنى مسكة من عقله، أشار إلى ذلك بالإشارة بأمره ﷺ بالإجابة إلى أنهم كالمنكرين لهذا، لأن إقرارهم به لم ينفعهم فقال :﴿قل الله﴾ أي الملك الأعلى وحده، وأمره بعد إقامة هذا الدليل البين بأن يتبعه ما هو أشد عليهم من وقع النبل بطريق لا أنصف منه، ولا يستطيع أحد أن يصوب إليه نوع طعن بأن يقول مؤكداً تنبيهاً على وجوب إنعام النظر في تمييز المحق من المبطل بالانخلاع من الهوى، فإن الأمر في غاية الخطر :﴿وإنا﴾ أي أهل التوحيد في العبادة لمن تفرد بالرزق ﴿أو إياكم﴾ أي أهل الإشراك به من لا يملك شيئاً من الأشياء و" أو " على بأنها لا بمعنى الواو، أي إن أحد فريقينا على إحدى الحالتين مبهمة غير معنية فهو على خطر عظيم لكونه في شك من أمره غير مقطوع له بالهدى، فانظروا بعقولكم في تعيينه هل هو الذي عرف الحق لأهله أو الذي بذل الحق لغير أهله، قال ابن الجوزي : وهذا كما تقول للرجال تكذبه : والله إن أحدنا لكاذب، وأنت تعينه تكذيباً غير مكشوف ويقول الرجل : والله لقد قدم فلان، فيقول له من يعلم كذبه : قل إن شاء الله، فكذبه بأحسن من تصريح التكذيب، يعني ولا سيما بعد إقامة الدليل على المراد ثم مثل المهتدين بمن هو على متن جواد يوجهه حيث شاء من الجواد بقوله :﴿لعلى هدى﴾ أي في متابعة ما ينبغي أن يعمل مستعلين عليه ناظرين لكل ما يمكن أن يعرض فيه مما قد يجر إلى ضلال فتنكبه ﴿أو في ضلال﴾ أي عن الحق في الاعتقاد المناسب فيه منغمسين فيه وهو محيط بالمبتلى به لا يتمكن معه من وجه صواب :﴿مبين*﴾ أي واضح في نفسه داع لكل أحد إلى معرفة أنه ضلال إلا من كان منغمساً فيه مظروفاً له، فإنه لا يحس بنفسه وما بينه وبين أن يستبصر إلا أن يخرج منه وقتاً ما فيعلم أنه كان في حاله ذلك