ولما كانت العبادة لا تنفع إلا إذا كان المعبود راضياً بها وكانت خالصة، قال مبكتاً للمشركين وموبخاً ليكون هناك سؤال وجواب فيكون التقريع أشد والخجل بعد أعظم، والخوف والهوان أتم وألزم ويكون اقتصاص ذلك عظة للسامعين، وزجراً للجاهلين، وتنبيهاً للغافلين، على طريق ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلآهين من دون الله﴾ [المائدة : ١١٦] الآيات :﴿أهؤلاء﴾ أي الضالون ؛ وأشار إلى أنه لا ينفع من العبادة إلا ما كان خالصاً فقال :﴿إياكم﴾ أي خاصة ﴿كانوا يعبدون*﴾ بأفعالهم الاختيارية والقسرية ليعلم أنهم عبيد لكم تستحقون عبادتهم، وفي التعبير بما يدل على الاختصاص تنبيه لقريش على أنه لا يعتد من العبادة إلا بالخالص ﴿قالوا﴾ أي الملائكة متبرئين منهم مفتتحين بالتنزيه تخضعاً بين يدي البراءة خوفاً من حلول السطوة ﴿سبحانك﴾ أي ننزهك تنزيهاً يليق بجلالك عن أن يستحق أحد غيرك أن يعبد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٦
ولما كانوا كارهين جداً لعبادتهم، وكانت فائدة العبادة الوصلة بين العابد والمعبود قالوا :﴿أنت ولينا﴾ أي معبودنا الذي لا وصلة بيننا وبين أحد إلا بأمره ﴿من دونهم﴾ أي من أقرب منزلة لك من منازلهم منا، فأنت أقرب شيء إلينا في كل معاني الولاية من العلم والقدرة وغيرهما، فكيف نترك الأقرب والأقوى ونتولى الأبعد العاجز، ليس بيننا وبينهم من ولاية، بل عداوة، وكذا كل من تقرب إلى شخص بمعصية الله يقسي الله قلبه عليه ويبغضه فيه فيجافيه ويعاديه.
ولما كان من يعمل لأحد عملاً لم يأمر به ولم يرضه إنما عمل في الحقيقة للذي
١٨٨