دعاه إلى ذلك العمل قالوا :﴿بل كانوا﴾ بأفعالهم الاختيارية الموجبة للشرك ﴿يعبدون الجن﴾ أي إبليس وذريته الذين زينوا لهم عبادتنا من غير رضانا بذلك، وكانوا يدخلون في أجواف الأصنام ويخاطبونهم ويستجيرون بهم في الأماكن المخوفة، ومن هذا تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد القطيفة ؛ ثم استأنفوا قولهم :﴿اكثرهم﴾ أي افنس ﴿بهم﴾ أي الجن ﴿مؤمنون*﴾ أي راسخون في الإشتراك لا يقصدون بعبادتهم غيرهم، وقليل منهم من يقصد بعبادته بتزيين الجن وغيرهم وهو راض بها، فهي في الحقيقة لمن زينها لهم من الجن، وهم من ذلك يصدقون ما يرد عليهم من إخبارات الجن على ألسنة الكهان وغيرهم مع ما يرون فيها من الكذب في كثير من الأوقات.
ولما بطلت تمسكاتهم، وتقطعت تعلقاتهم، تسبب عن ذلك تقريعهم الناشئ عنه تنديمهم بقوله بلسان العظمة :﴿فاليوم﴾ أي يوم مخاطبتهم بهذا التبكيت وهو يوم الحشر ﴿لا يملك﴾ أي شيئاً من الملك ﴿بعضكم لبعض﴾ أي من المقربين والمبعدين.
ولما كان المدار على الخلاص والسياق للشفاعة، قدم النفع فقال :﴿نفعاً﴾ وأكمل الأمر بقوله :﴿ولا ضراً﴾ تحقيقاً لقطع جميع الأسباب التي كانت في دار التكليف من دار الجزاء التي المقصود فيها تمام إظهار العظمة لله وحده على أتم الوجوه.
ولما كان المعنى : فاليوم نسلب الخلائق ما كنا مكناهم منه في الدنيا من التنافع والتضارر.
وتلاشى بذلك كل شيء سواه، أثبت لنفسه المقدس ما ينبغي، فقال عاطفاً على هذا الذي قدرته :﴿ونقول﴾ أي في ذلك الحال من غير إمهال ولا إهمال ﴿للذين ظلموا﴾ أي بوضع العبادة في غير موضعها ولا سيما من ضم إلى ذلك إنكار المعاد عند إدخالنا لهم النار :﴿ذوقوا عذاب النار﴾ ولما لم يتقدم للعذاب وصف بترديد - كما تقدم في السجدة - ولا غيره، كان المضاف إليه أحق بالوصف لأنه المصوب إليه بالتكذيب فقال :﴿التي كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿بها تذكبون*﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٦