ولما وصفه بنهاية العلم، أتبعه بعض آثاره فقال :﴿قل جاء الحق﴾ أي الأمر الثابت الذي لا يقدر شيء أن يزيله ؛ وأكد تكذيباً لهم في ظنهم أنهم يغلبون فقال :
١٩٤
﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿يبدئ الباطل﴾ أي الذي أنتم عليه وغيره في كل حال حصل فيه تفريعه على مر الأيام ﴿وما يعيد*﴾ بل هو كالجماد لا حركة به أصلاً، لأنه مهما نطق به صاحبه في أمره بعد هذا البيان افتضح، فإن لم ترجعوا عنه طوقاً رجعتم وأنتم صغره كرهاً، والحاصل أن هذا كناية عن هلاكه بما يهز النفس ويرفضه الفكر بتمثيله بمن انقطعت حركته، وذهبت قوته، حتى لا يرجى بوجه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
ولما لم يبق بعد هذ إلا أن يقولوا عناداً : أنت ضال، ليس بك جنون ولا كذب، ولكنك قد عرض لك ما أضلك عن المحجة، قال :﴿قل﴾ أي لهؤلاء المعاندين على سبيل الاستعطاف بما في قولك من الانصاف وتعليم الأدب :﴿إن ضللت﴾ أي عن الطريق على سبيل الفرض ﴿فإنما أضل﴾ ولما كان الله تعالى قد جعل العقل عقلاً يمنع من الخطأ وينهى عن الهوى، وكان الغلط لا يأتي إلا من شواغل النفس بشهواتها وحظوظها، فكان التقدير : بما في نفسي من الشواغل العاقلة للعقل، قال مشيراً إلى ذلك :﴿على نفسي﴾ أي لأن الضلال إذا استعلى على شيء ظهر أمره فيتبين عواه فيلزم عاره، ويصير صاحبه بحيث لا يدري شيئاً ينفع ولا يعيد، ولذلك يصير يفزع إلى السفه والمشاتمة كما وقع في مذاهبكم كلها، لأن الله تعالى جعل العقول الصحيحة معياراً على ذلك، فمهما ذكرت طرق الحق وحُررت ظهر أمر الباطل وافتضح.