أمر بذكر نعمته بالاعتراف أنها منه، فإن الذكر يقود إلى الشكر، وهو قيد الموجود وصيد المعدوم المفقود، فقال :﴿يا أيها الناس﴾ أي الذين فيهم أهلية الاضطراب عامة ﴿اذكروا﴾ بالقلب واللسان ﴿نعمت الله﴾ أي الذي لا منعم في الحقيقة سواه، ولما كانت نعمة عامة غامرة من كل جانب قال :﴿عليكم﴾ أي في دفع من المحن، وصنع ما صنع من المنن، على ما تقدم في الفتح والإمساك لتشكروه ولا تكفروه، والذي يخص أهل مكة بعد ما شاركوا به الناس - إسكانهم الحرم، وحفظهم من جميع الأمم، وتشريفهم باليبت، وذلك موجب لأن يكونوا أشكر الناس.
ولما أمر بذكر نعمته، أكد التعريف بأنها منه وحده على وجه بين عزته وحكمته،
٢٠٢
فقال منبهاً لمن غفل، وموبخاً لمن جدد، وراداً على أهل القدر الذين ادعوا أنهم يخلقون أفعالهم، ومنبهاً على نعمة الإيجاد الأول :﴿هل﴾ واما كان الاستفهام بمعنى النفي أكده بـ ﴿من﴾ فقال :﴿من خالق﴾ أي للنعم وغيرها، ولما كانت ﴿من﴾ للتأكيد، فكان ﴿خالق﴾ في موضع رفع، قرأ الجمهور قوله :﴿غير الله﴾ بالرفع، وجره حمزة والكسائي على اللفظ، وعبر بالجلالة إشارة إلى أنه المختص بصفات الكمال.
ظ ولما كان الجواب قطعاً، لا، بل هو الخالق وحده، قال منبهاً على نعمة الإبقاء الأول :﴿يرزقكم﴾ أي وحده.
ولما كانت كثرة الرزق كما هو مشاهد مع وحدة المنبع أدل على العظمة قال :﴿من السماء والأرض﴾ بالمطر والنبات وغيرهما.
ولما بين أنه سبحانه الأله وحده فقال :﴿لا إله إلا هو﴾ فتسبب الإنكار على من عبد غيره ظاهراً أو باطناً فقال :﴿فأنى﴾ أي فمن وجه وكيف ﴿تؤفكون*﴾ أي تصرفون وتقبلون عن وجه السداد في التوحيد بهذه الوجوه الظاهرة إلى الشرك الذي لا وجه له.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٩


الصفحة التالية
Icon