ولما قررهم على ما تقدم وختم بالتوحيد الذي هو الأصل الأول من أصول الدين، نبه على أنه المقصود بالذات بذكر ما يعقبه في الأصل الثاني، وهو الرسالة من تصديق وتكذيب، فقال ناعياً على قريش سوء تلقيهم لآياته، وطعنهم في بيناته، مسلياً له ﷺ، عاطفاً على ما تقديره : فإن يصدقوك فهم جديرون بالتصديق لما قام على ذلك من الدلائل، وشهد به من المقاصد والوسائل :﴿غن يكذبوك﴾ أي عناداً وقلة اكتراث بالعواقب فتأسّ بإخوانك ﴿فقد﴾ أي بسبب أنه قد ﴿كذبت رسل﴾ أي يا لهم من رسل! وبني الفعل للمجهول لأن التسلية محطها، وقوع التكذيب لا تعيين المكذب، ونفى أن يرسل غيره بعد وجوده بقوله :﴿من قبلك﴾ وأفرد التكذيب بالذكر اهتاماً بالتسلية تنبيهاً على أن الأكثر يكذب، قال القشيري : وفي هذا إشارة للحكماء وأرباب القلوب مع العوام والأجانب من هذه الطريقة فإنهم لا يقبلون منهم إلا قليل، وأهل الحقائق أبداً منهم في مقاساة الأذية، والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من الفتراء المتقشفين.
ولما كان التقدير نفياً للتعجب من التكذيب الجاري على غير قياس صحيح : فمن الله الذي لا أمر لأحد معه تصدر الأمور، عطف عليه قوله مهدداً لمن خالف أمره :
٢٠٣
﴿وإلى الله﴾ أي وحده له الأمور كلها ﴿نرجع الأمور*﴾ أي حساً ومعنى، فاصبر ورد الأمر إلينا بترك الأسباب إلا ما نأمرك به كما فعل إخوانك من الرسل.
ولما أشعر هذا الختام باليوم الموعود، وهو الأصل الثابت قال مهدداً به محذراً منه :﴿يا أيها الناس﴾ أي الذين عندهم أهليه للتحرك إلى النظر.