ولما كانوا ينكرون البعث أكد قوله :﴿إن وعد الله﴾ أي الذي له صفات الكمال وهو منزه عن كل شائبة نقص، فهو لا يجوز عليه في مجاري العادات للغنى المطلق أن يخلف الميعاد ﴿حق﴾ أي بكل ما وعد به من البعث وغيره وقد وعد أنه يردكم إليه في يوم تنقطع فيه الأسباب، ويعرض عن الأحساب والأنساب، ليحكم بينكم بالعدل، ثم سبب عن كونه حقاً قوله على وجه التأكيد لأجل الإنكار أيضاً :﴿فلا تغرنكم﴾ أي بأنواع الخدع من اللهو والزينة غروراً مستمر التجدد ﴿الحياة الدنيا﴾ فإنه لا يليق بذي همه عليه اتباع الدنيء، والرضى بالدون الزائل عن العالي الدائم ﴿ولا يغرنكم بالله﴾ أي الذي لا يخلف الميعاد وهو الكبير المتعالي ﴿الغرور*﴾ أي الذي لا يصدق في شيء وهو الشيطان العدو، ولذلك استأنف قوله مظهراً في موضع الإضمار للتنفير بمدلول الوصف قبل التذكير بالعداوة ووخامة العاقبة فيما يدعو إليه مؤكداً لأن أفعال المشايعين له بما يمنيهم به من نحو : إن ربكم حليم، لا يتعاظمه ذنب، مع الإصرار على المعصية أفعال المتعقدين لمصادقته :﴿إن الشيطان﴾ أي المحترق بالغضب البعيد من الخير ﴿لكم﴾ أي خاصة غهو في غاية الفراغ لأذاكم، فاجتهدوا في الهرب منه ﴿عدو﴾ بتصويب مكايده كلها إليكم وبما سبق له مع أبيكم آدم عليه السلام بما وصل أذاه إليكم وأيضاً " من عادى أباك فقد عاداك ".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٣
ولما كانت عداوته تحتاج إلى مجاهدة لأنه يأتي الإنسان من قبل الشهوات، عبر بصيغة الافتعال فقال :﴿فاتخذوا﴾ أى بغاية جهدكم ﴿عدواً﴾ والله لكم ولي فاتخذوه ولياً بأن تتحروا ما يغيظ الشيطان بأن تخالفوه في كل ما يريد ويأمر به، وتتعمدوا ما يرضاه الرحمن ونهجه لكم وأمركم به فتلتزموه، قال القشيري : ولا يقوى على عداوته إلا بدوام الاستعانة بالرب فإنه لا يغفل عن عداوتك، فلا تغفل أنت عن مولاك لحظة.