ثم علل ذلك بقوله :﴿إنما يدعو حزبه﴾ أي الذين يوسوس لهم فيعرضهم لاتباعه والإعراض عن الله ﴿ليكونوا﴾ باتباعه كوناً راسخاً ﴿من أصحاب السعير*﴾ هذا غرضه لا غرض له سواه، ولكنه يجتهد في تعمية ذلك عنهم بأن يقرر في نفوسهم جانب الرجاء وينسيهم جانب الخوف، ويريهم أن التوبة في أيديهم ويسوف لهم بها بالفسحة في الأمل، والإبعاد في الأجل، للإفساد في العمل، والرحمن سبحانه إنما يدعو عباده ليكونوا من أهل النعيم ﴿والله يدعو إلى دار السلام﴾ [يونس : ٢٥].
٢٠٤
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٣
ولما أنهى البيان في غرض الشيطان إلى منتهاه، نبه على ما حكم به هو سبحانه في أشياعه بقوله مستأنفاً :﴿الذين كفروا﴾ أي غطو بالاتباع له بالهوى ما دلتهم عليه عقولهم وكشفه لهم غاية الكشف هذا البيان العزيز ﴿لهم عذاب شديد﴾ أي في الدنيا بفوات غالب ما يؤملون مع تفرقة قلوبهم وانسداد بصائرهم وسفالة هممهم حتى أنهم رضوا أن يكون إلآههم حجراً، وانحجاب المعارف التي لا لذاذة في الحقيقة غيرها عنهم، وفي الآخرة بالسعير التي دعاهم إلى صحبتها.
ولما ذكر جزاء حزبه، اتبعه حزب الله الذين عادوا عدوهم فقال :﴿والذين آمنوا وعملوا﴾ أي تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ ولما كان من أعظم مصايد الشيطان ما يعرض للإنسان خطأ وجهلاً من العصيان، لما له من النقصان ليجره بذلك إلى العمد والعدوان، قال تعالى داعياً له إلى طاعته وإزالة لخجلته :﴿لهم مغفرة﴾ أي ستر لذنوبهم بحيث لا عقاب وا عتاب، وذلك معجل في هذه الدار، ولولا ذلك لافتضحوا وغداً، ولولا ذلك لهلكوا.
ولما محاها عيناً وأثراً، أثبت الإنعام فقال :﴿واجر كبير*﴾ أي يجل عن الوصف بغير هذا الإجمال، فمنه عاجل بسهولة العبادة ودوام المعرفة وما يرونه في القلوب من وراء اليقين، وآجل بتحقيق المسؤول من عظيم المنة، ونيل ما فوق المأمول في الجنة.


الصفحة التالية
Icon