ولما أخبر تعالى أنه لا بد من إيجاد ما وعد به من البعث وغيره، وحذر كل التحذير من التهاون بأمره، وأنكر التسوية بين المصدق به والمكذب، وكان السبب في الضلال المميت للقلوب الهوى الذي يغشى سماء العقل ويعلوه بسحابه المظلم فيحول بينه وبين النفوذ، وكان السبب في السحاب المغطي لسماء الأرض المحيي لميت الحبوب الهوى، وكان الإيتان به في وقت دون آخر دالاً على القدرة بالاختيار، قال عاطفاً على جملة ﴿إن وعد الله حق﴾ المبني على النظر، وهو الإخراج من العدم مبيناً لقدرته على ما وعد به :﴿والله﴾ أي الذي له صفات الكمال لا شيء غيره من طبيعة ولا غيرها ﴿الذي﴾ ولما كان المراد الإيجاد من العدم، عبر بالماضي مسنداً إليه لأنه الفاعل الحقيقي فقال :﴿أرسل الرياح﴾ أي أوجدها من العدم مضطربة فيها، أهلية الاضطراب والسير ليصرفها كيف يشاء لا ثابتة كالأرض، وأسكنها ما بين الخافقين لصلاح مكان الأرض.
٢٠٦
ولما كانت إثارتها تتجدد كلما أراد أن تسقي أرضاً، قال مسنداً إلى الرياح لأنها السبب، معبراً بالمضارع حكاية للحال لتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على تمام القدرة، وهكذا تفعل العرب فيما فيه غرابة تنبيهاً للسامع على ذلك وحثّاً له على تدبره وتصوره :﴿فتثير﴾ أي بتحريكه لها إذا أراد ﴿سحاباً﴾ أي أنه أجرى سبحانه سنته أن تظهر حكمته بالتدريج.
ولما كان المراد الاستدلال على القدرة على البعث، وكان التعبير بالمضارع يرد التعنت، عبر بالمضارع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٥