ولما كان سوق السحاب إلى بلد دون آخر وسقيه لمكان دون مكان من العظمة بمكان، التفت على الغيبة وجعله في مظهر العظمة فقال :﴿فسقناه﴾ أي السحاب معبراً بالماضي تنبيهاً على أن كل سوق كان بعد إثارتها في الماضي والمستقبل منه وحده أو بواسطة من أقامة لذلك من جنده من الملائكة أو غيرهم، لا من غيره، ودل على أنه فرق بين البعد والقرب بحرف الغاية فقال :﴿إلى بلد ميت﴾.
ولما كان السبب في الحياة هو السحاب بما ينشأ عنه من الماء قال :﴿فأحيينا به الأرض﴾ ولما كان المراد إرشادهم إلى القدرة على البعث الذي هم به مكذبون، قال رافعاً للمجاز بكل تقدير وموضحاً كل الإيضاح للتصوير :﴿بعد موتها﴾ ولما أوصل الأمر إلى غايته، زاد في التنبيه على نعمة الإيجاد الثاني بقوله :﴿كذلك﴾ أي مثل الإحياء لميت النبات ﴿النشور*﴾ حسّاً للأموات، ومعنى للقلوب والنبات، قال القشيري : إذا أراد إحياء قلب يرسل أولاً رياح الرجاء، ويزعج بها كوامن الإرادة، ثم ينشئ فيه سحاب الاهتياج، ولوعة الانزعاج، ثم يأتي مطر الحق فينبت في القلب أزهار البسط وأنوار الروح، ويطيب لصاحبه العيش إلى أن تتم لطائف الإنس.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٥
ولما قرر بهذا كله ما أثبته سابقاً من عزته وحكمته وثبت أنه قادر على النشور فثبت أنه له العزة في الآخرة كما شوهد ذلك في الدنيا، وكانت منافسه الناس لا سيما الكفرة في العزة فوق منافسهم في الحكمة، ومن نافس في الحكمة فإنما ينافس فيها
٢٠٧


الصفحة التالية
Icon