ولما تقدم الاسم الأعظم في الآية قبلها، أعاد الضمير عليه ليعلم شدة ارتباط هذه الآية بالتي قبلها فقال :﴿من فضله﴾ أي الله بالتوصل بذلك إلى البلاد الشاسعة للمتاجر وغيرها ولو جعلها ساكنة لم يترتب عليها ذلك، وفي سورة الجاثية ما ينفع هنا ﴿ولعلكم تشكرون*﴾ أي ولتكون حالهم بهذه النعم الدالة على عظيم قدرة الله ولطفه حال من يرجى شكره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٧
٢١١
ولما ذكر سبحانه اختلاف الذوات الدال على بديع صنعه، أتبعه تغييره المعاني آية على بليغ قدرته، فقال في موضع الحال من فاعل " خلقكم " إشارة إلى أن الله تعالى صور آدم حين خلق الأرض قبل أن يكون ليل أو نهار ثم نفخ فيه الروح آخر يوم الجمعة بعد أن خلق النور يوم الأربعاء، فلم يأت على الإنسان حين ما من الدهر وهو مقدار حركة الفلك إلا وهو شيء مذكور :﴿يولج﴾ أي يدخل على سبيل الجولان ﴿اليل في النهار﴾ فيصير الظلام ضياء.
ولما كان هذا الفعل في غاية الإعجاب، وكان لكثرة تكراره قد صار مألوفاً فغفل عما فيه من الدلالة على تمام القدرة : نبه عليه بإعادة الفعل فقال :﴿ويولج النهار في الّيل﴾ فيصير ما كان ضياء ظلاماً، وتارة يكون التوالج بقصر هذا وطول هذا، فدل كل ذلك على أنه تعالى بالاختيار.
ولما ذكر الملوين ذكر ما ينشأ عنهما فقال :﴿وسخر الشمس والقمر﴾ ثم استأنف قوله :﴿كل﴾ أي منهم ﴿يجري﴾ ولما كان مقصود السورة تمام القدرة، والسياق هنا لقسر المتنافرات على ما يزيد، ولذلك ختم الآية بالملك الناظر إلى القسر والقهر لم يصلح لهذا الموضع حرف الغاية فقال :﴿لأجل﴾ أي لأجل أجل ﴿مسمى﴾ مضروب له لا يقدر أن يتعداه، فإذا جاء ذلك الأجل غرب، هكذا كل يوم إلى أن يأتي الأجل الأعظم، فيختل جميع هذا النظام بأمر الملك العلام، ويقيم الناس ليوم الزحام، وتكون الأمور العظام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١١