ولما دل سبحانه على أنه الفاعل المختار القادر على كل ما يريد بما يشاهده كل أحد في نفسه وفي غيره، وختم بمت تكرر مشاهدته في كل يوم مرتين، أنتج ذلك قطعاً قوله معظماً بأداة البعد وميم الجمع :﴿ذلكم﴾ أي العالي المقدار الذي فعل هذه الأفعال كلها ﴿الله﴾ أي الذي له صفة كمال ؛ ثم نبههم على أنه لا مدبر لهو سواه بخبر آخر بقوله :﴿ربكم﴾ أي الموجد لكم من العدم المربي بجميع النعم لا رب لكم سواه ؛ ثم استأنف قوله :﴿له﴾ أي وحده ﴿الملك﴾ أي كله وهو مالك كل شيء ﴿والذين تدعون﴾ أي دعاء عبادة، ثم بيّن منزلتهم بقوله :﴿من دونه﴾ أي من الأصنام وغيرها
٢١٢
وكل شيء فهو دونه سبحانه ﴿ما يملكون﴾ أي في هذا الحال الذي تدعونهم فيه وكل حال يصح أن يقال فيه لكم هذا الكلام ؛ وأغرق في النفي فقال :﴿من قطمير*﴾ وهو كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : لفافة النواة، وهي القشرة الرقيقة الملتفة عليها، كناية عن أدنى الأشياء، فكيف لما فوقه وليس لهم شيء من الملك، فالآية من الاحتباك : ذكر الملك أولاً دليلاً على حذفه ثانياً، والملك ثانياً دليلاً على حذفه أولاُ ؛ ثم بين ذلك بقوله :﴿إن تدعوهم﴾ أي المعبودات من دونه دعاء عبادة او استغاثة ﴿لا يسمعوا﴾ أي بحس السمع في وقت من الأوقات ﴿دعاءكم﴾ لأنهم جماد ﴿ولو سمعوا﴾ في المستقبل ﴿ما استجابوا لكم﴾ لأنهم إذ ذاك يعملون أن إجابتكم لا ترضي الله، وهم مما أبى أن يحمل الأمانة ويخون فيها بالعمل بغير ما يرضي الله سبحانه، أو يكون المعنى : ولو فرض أنه يوجد لهم سمع، أو ولو كانوا سامعين - ليدخل فيه من عبد من الأحياء - ما لزم من السماع إجابة، لأنه لا ملازمة بين السمع والنطق، ولا بين السمع والنطق مع القدرة على ما يراد من السامع، فإن البهائم تسمع وتجيب، والمجيبون غيره يجيبون ولا قدرة لهم على أكثر ما يطلب منهم.