ولما ذكر ما هو على سبيل الفرض، ذكر ما يصير إليه بينهم وبينهم الأمر فقال :﴿ويوم القيامة﴾ أي حين ينطقهم الله ﴿يكفرون بشرككم﴾ أي ينكرونه ويتبرؤون منه.
ولما كان التقدير : قد أنبأكم بذلك الخبير، وكانوا لا يقرون بذلك ولا يفهمونه حق فهمه ولا يعملون به، صرف الخطاب عنهم إلى من له الفهم التام والطاعة الكاملة، فقال عاطفاً على هذا الذي هدى إلى تقديره السياق :﴿ولا ينبئك﴾ أي إنباء بليغاً عظيماً على هذا الوجه بشيء من الأشياء، ﴿مثل خبير*﴾ أي بالغ الخبر، فلا يمكن الطعن في شيء مما أخبر به، وأما غيره فلا يخبر خبراً إلا يوجه إليه نقص.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١١
ولما اختص سبحانه بالملك ونفى عن شركائهم النفع، أنتج ذلك قوله :﴿يا أيها الناس﴾ أي كافة ﴿أنتم﴾ أي خاصة ﴿الفقراء﴾ أي لأنكم لاتساع معارفكم وسريان أفكاركم وانتشار عقولكم تكثر نوازغكم وتتفرق دواعيكم فيعظم احتياجكم لشدة ضعفكم وعجزكم عظماً يعد معه احتياج غيركم عدماً، ولو نكر الخبر لم يفد هذا المعنى ﴿إلى الله﴾ أي الذي له جميع الملك ؛ قال القشيري : والفقر على ضربين : فقر خلقة، وفقر صفة، فالأول عام فكل حادث مفتقر إلى خالقه في أول حال وجوده ليبديه وينشيه، وفي ثانية ليمديمه ويبقيه، وأما فقر الصفة فهو التجرد، ففقر العوام التجرد من المال، وفقر الخواص التجرد من الإعلال، فحقيقة الفقر المحمود تجرد السر عن المعلولات.
٢١٣
ولما ذكر العبد بوصفه الحقيقي، أتبعه ذكر الخالق باسمه الأعظم على قرب العهد بذكر الإشارة إلى الجهة الجهة التي بها وصف بما يذكر، وهي الإحاطة بأوصاف الكمال فقال :﴿والله هو﴾ أي وحده ﴿الغني﴾ أي الذي لا يتصور أن يحتاج لا إليكم ولا إلى عبادتكم ولا إلى شيء أصلاً.


الصفحة التالية
Icon