ولما كان الغنى من الخلق لا يسع غناه من يقصده، وإن وسعهم لم يسعهم عطاؤه لخوف الفقر أو لغير ذلك من العوارض، ولا يمكنه عموم النعمة في شيء من الأشياء فلا ينفعك من نوع ذم، وكان الحمد كما قال الحرالي في شرح الأسماء : حسن الكلية بانتهاء كل أمر وجزء، وبعض منها إلى غاية تمامه، فمتى نقص جزء من كل عن غاية تمامه لم يكن ذلك الكل محموداً، ولم يكن قائمه حميداً، وكان الله قد خلق كل شيء كما ينبغي، لم يعجل شيئاً عن إناه وقدره، وكان الذم استنقاضاً يلحق بعض الأجزاء عند من لم يرها في كلها ولا رأى كلها، فكان الذم لذلك لا يقع إلا متقيداً متى أخذ متقطعاً من كل، والحمد إلا في كل، ولذلك قال الغزالي : الحميد من العباد من حمدت عوائده وأخلاقه وأعماله كلها من غير مثنوية.
وكان سبحانه قد أفاض نعمه على خلقه، وأسبغها ظاهرة وباطنة، وجعل لهم قدرة على تناولها.
لا يعوق عنه إلا قدرته " وما كان عطاء ربك محظوراً " وكان لا ينقص ما عنده، كان إعطاؤه حمداً ومنعه حمداً، لأنه لا يكون مانعاً لغرض بل لحكمة تدق عن الأفكار فقال :﴿الحميد*﴾ أي كل شيء بنعمته عنده والمستحق للحمد بذاته، فأنتج ذلك قطعاً تهديداً لمن عصاه وتحذيراً شديداً :﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أي جميعاً ﴿ويأت بخلق جديد*﴾ أي غيركم لأنه على كل شيء قدير ﴿وما ذلك﴾ أي الأمر العظيم من الإذهاب والإيتان ﴿على الله﴾ المحيط بجميع صفات الكمال خاصة ﴿بعزيز*﴾ أي بممتنع ولا شاق، وهو محمود عند الإعدام كما هو محمود عند الإيجاد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١١
ولما أنهى سبحانه بيان الحق بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة بالتهديد بالأخذ، وكان الأخذ على وجه التهديد عقاباً، وكان العقاب لا يكون حكمه إلا عند الذنب، قال دالاً على أنه لا ينفك أحد عما يستحق به العقاب :﴿ولا﴾ أي يذهبكم عقوبة لكم بأوزاركم وقدرة عليكم والحال أنه لا ﴿تزر﴾ أي تحمل يوم القيامة أو عند الإذهاب،
٢١٤


الصفحة التالية
Icon