ولما لم تكن نفس متأهلة للحمل تخلو من وزر تحمله، والمعصوم من عصم الله، قال :﴿وازرة﴾ دون نفس، أي لا تحمل حاملة من جهة الإثم ﴿وزر﴾ أي حمل وثقل ﴿أخرى﴾ لتعذب به، بل كان واحد منكم له مما كسبت يداه ما ثقوم به عليه الحجة في الأخذ مباشرة وتسبباً مع تفاوتكم في الوزر، ولا يحمل أحد إلا ما اقترفه هو، لا تؤخذ نفس بذنب أخرى الذي يخصها كما تقعل جبابرة الدنيا.
ولما أثبت أنه لا يؤخذ إلا بوزر، ونفى أن يحمل أحد وزر غيره، وكان ربما أوهم أن ذلك خاص ببعض الأحوال أو الأشخاص، وكان عظم الوزر يوجب عظم الأخذ، نفى ذلك الإيهام ودل القدرة على المفاوتة بينهم في الأجر وإن كان أخذهم في آن واحد بقوله :﴿وإن تدع﴾ أي نفس ﴿مثقلة﴾ أي بالذنوب سواء كانت كفراً أو غيره، أحداً ﴿إلى حملها﴾ أي الخاص بها من الذنوب التي ليست على غيرها بمباشرة ولا تسبب ليخفف عنها العذاب بسبب خفته ﴿لا يحمل﴾ أي من حامل ما ﴿منه شيء﴾ أي لا طواعية ولا كرهاً.
بل لكل امرئ شأن يغنيه أصلاً وتسبباً ﴿ولو كان﴾ ذلك الداعي أو المدعو للحمل ﴿ذا قربى﴾ لمن دعاه، وحاصل الأولى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره بل بذنب نفسه، والثانية أنه لا يحط عن أحد ذنبه ليسلم.
ولما كان هذا أمراً - مع كونه جلياً - خالعاً للقلوب، فكان بحيث يشتد تعجب السامع ممن يسمعه ولا يخشى، فقال مزيلاً لهذا العجب على سبيل النتيجة :﴿إنما تنذر﴾ أي إنذاراً يفيد الرجوع عن الغيّ، فلاختصاصهم بالنفع كانوا كأنهم مختصون بالإنذار، وهو كما قال القشيري : الإعلام بموضع المخافة.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١٤
الذين يخشون﴾ أي يوقعون هذا الفعل في الحال يواظبون عليه في الاستقبال.
ولما كان أعقل الناس من خاف المحسن لان أقل عقابة قطع إحسانه قال :﴿ربهم﴾.