ولما كان المظهر لذلك كله الحياة، قدمها فقال مثالاً آخر للمؤمنين، ولذلك أعاد الفعل وهو فوق التمثيل بالأعمى والبصير، لأن الأعمى يشارك البصير في بعض الإدراكات، وصار للمؤمن مثالان ليفيد الأول نفي استواء الجنس بالجنس مع القبول للحكم على الأفراد، والثاني بالعكس وهو للنفي في الأفراد مع القبول للجنس :﴿وما يستوي الأحياء﴾ أي لأنه منهم الناطق والأعجم، والذكي والغبي، والسهل والصعب، فلا يكاد يتساوي حيان في جميع الخلال ﴿ولا الأموات﴾ أي الذين هم مثال للكافرين في صعوبة الموت وسهولته والبلى وغيره مما يخفى ولا يقر به الكفار من الشقاوة والسعادة.
ولما كان ما ذكر على هذا الوجه - من وضوح الدلالة على الفعل بالاختيار وعلى ضلال من أشرك به شيئاً لأنه لا يشابهه شيء - بمكان ليس معه خفاء، ومن الإحكام بحيث لا يدانيه كلام يعجب السامع ممن يأباه، فقال مزيلاً عجبه مقرراً أن الخشية والقسوة إنما هما بيده، وإن الإنذار إنما هو لمن قضى بانتفاعه، مسلياً لنبيه ﷺ، مؤكداً رداً على من يرى لغيره سبحانه فعلاً من خير أو شر :﴿إن الله﴾ أي القادر على المفارقة بين هذه الأشياء وعلى كل شيء بما له من الإحاطة بصفات الكمال، وعبر بالفعل إشارة إلى القدرة على ذلك في كل وقت أراده سبحانه فقال :﴿يسمع من يشاء﴾ أي فيهديه ولو لم يكن له قابلية في العادة كالجمادات، ويصم ومن يشاء فيعميه وينكسه ويرديه من أحياء القلوب والأرواح، وأموات المعاني والأشباح، والمعنى أن إسماعهم لو كان مستنداً إلى الطبائع لاستووا إما بالإجابة أو الإعراض لأن نسبة الدعوة وإظهار المعجزة إليهم على حد سواء، فالآية تقرير أية ﴿إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١٨