ولما كان مما يسهل القياد ويضعف الجماح التأسية، قال مؤكداً دفعاً لاستبعاد الإرسال إلى جميع الأمم :﴿وإن﴾ أي والحال أنه ما ﴿من أمة﴾ من الأمم الماضية ﴿إلا خلا فيها نذير*﴾ أرسلناه إليهم بشيراً ونذيرا إما بنفسه وإما بما ابقى في أعقابهم من شرائعه من أقواله وأفعاله ورسومه مع ما لهم من العقول الشاهدة بذلك، والنذارة دالة على البشارة، واقتصر عليها لأنها هي التي تقع بها التسلية لما فيها من المشقة، ولأن من الأنبياء الماضين عليهم السلام من تمحضت دعوته للنذارة لأنه لم ينتفع أحد ببشارته لعدم اتباع أحد منهم له.
ولما كان ﷺ شديد الأسف على إبائهم رحمة لهم وخوفاً من أن يكون ذلك لتقصير في حاله، وكان التقدير : فإن يصدقونك فهو حظهم في الدنيا والآخرة، عطف عليه تأسية له وتسلية قوله :﴿وإن يكذبونك فقد﴾ أي فتسل لأنه قد ﴿كذب الذين﴾ ولما كان المكذبون بعض الناس، فلزم لذلك أن يكونوا في بعض الزمان، دل على ذلك بالجار فقال :﴿من قبلهم﴾ أي ما أتتهم به رسلهم عن الله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١٨
ولما كان القبول الرسل لما جاءهم عن الله ونفى التقصير في الإبلاغ عنهم دالاً على علو شأنهم وسفول أمر المكذبين من الأمم، وكل ذلك دالاًّ على تمام قدرة الله تعالى في المفارقة بين الخلق، قال دالاً على أمري العلو والسفول استئنافاً جواباً لمن كأنه قال : هل كان تكذيبهم عناداً او لنقص في البيان :﴿جاءتهم﴾ أي الأمم الخالية ﴿رسلهم بالبينات﴾ أي الآيات الواضحات في الدلالة على صحة الرسالة.