ولما ثبت بهذا السياق أنه سبحانه فاعل هذه الأشياء المتضادة، علل ذلك ليفيد أن قدرته على كل ما يريد كقدرته عليه بقوله على سبيل التأكيد تنبيهاً على أنه سبحانه لا يعسر عليه شيء وأنه أهل لأن يخشى ولذلك أظهر الاسم الأعظم :﴿إن الله﴾ أي المحيط بالجلال والإكرام ﴿عزيز﴾ أي غالب على جميع أمره.
ولما كان هذا مرهباً من سطوته موجباً لخشيته لإفهامه أنه يمنع الذين لا يخشون من رحمته، رغبهم بقوله :﴿غفور*﴾ في أنه يمحو ذنوب من يريد منهم فيقبل بقلبه إليه وهو أيضاً من معاني العزة.
ولما تقرر هذا، تشوف السامع إلى معرفة العلماء فكان كأنه قيل : هم الذين يحافظون على كتاب الله علماً وعملاً، فقيل : فما لهم ؟ فقال مؤكداً تكذيباً لمن يظن من
٢٢٢
الكفار وغيرهم من العصاة أنهم من الخاسرين بما ضيعوا من عاجل دنياهم :﴿إن الذين يتلون﴾ أي يجددون التلاوة كل وقت مستمرين على ذلك محافظين عليه كلما نزل من القرآن شيء وبعد كمال نزوله حتى يكون ذلك ديدنهم وشأنهم بفهم وبغير فهم ﴿كتاب الله﴾ أي الذي لا ينبغي لعاقل أن يقبل على غيره لما له من صفات الجمال والجلال، ولما ذكر السبب الذي لا سبب يعادله، ذكر أحسن ما يربط به، فقال دالاً على المداومة بالتعبير بالإقامة وعلى تحقيق الفعل بالتعبير بالماضي :﴿وأقاموا الصلاة﴾ أي وهي الناهية عن الفحشاء والمنكر فناجوا الله فيها بكلامه.


الصفحة التالية
Icon