ولما كان كأنه قيل : ما هذا أرسل به ؟ كان كأنه قيل جوباً لمن سأل : هو القرآن الذي وقع الإقسام به وهو ﴿تنزيل﴾ أو حاله كونه تنزيل ﴿العزيز﴾ أي المتصف بجميع صفات الكمال.
ولما كانت هذه الصفة للقهر والغلبة، وكان ذلك لا يكون صفة كمال إلا بالرحمة قال :﴿الرحيم*﴾ أي الحاوي لجميع صفات الإكرام الذي ينعم على من يشاء من عباده بعد الإنعام بإيجادهم بما يقيمهم على المنهاج الذي يرضاه لهم، فهو الواحد الذي لا مثل له أصلاً لما قهر به من عزته، وجبر به من رحمته.
نزل إليك وهو في جلالة النظم وجزالة القول وحلاوة السبك وقوة التركيب ورصانة الوضع وحكيم المعاني وإحكام المباني في أعلى ذرى الإعجاز، وجعل إنزاله تدريجاً بحسب المصالح مطابقاً مطابقة أعجزت الخلائق عن أن يأتوا بمثلها، ثم نظمه على غير ترتيب النزول نظماً أعجز الخلق عن أند يدركوا جميع المراد من بحور معانيه وحكيم مبانيه، فكله إعجاز على ما له من أطناب وإيجاز.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٢
ولما ذكر المرسَل والمرسَل به والمرسِل ؛ ذكر المرسَل له فقال :﴿لتنذر قوماً﴾ أي ذوي بأس وقوة وذكاء وفطنة ﴿ما أنذر﴾ أي لم ينذر أصلاً ﴿آباؤهم﴾ أي الذين غيروا دين أعظم آبائهم إبراهيم عليه السلام ومن أتى بعدهم عند فترة الرسل.
ولما كان عدم الإنذار موجباً لاستيلاء الحظوظ والشهوات على العقل فيحصل عن ذلك الغفلة عن طريق النجاة قال :﴿فهم﴾ أي بسبب زمان الفترة ﴿غافلون *﴾ أي المعنى على ان " ما " مفعول ثان لتنذر : أي لتنذرهم الذي أنذره آباؤهم الذين كانوا قبل التغيير، فإن هؤلاء غافلون عن ذلك لطول الزمان وحدوث النسيان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٢


الصفحة التالية
Icon