ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح
وقال الرازي في اللوامع : والقمح : الذي يضرب رأسه إلى ظهره هيئة البعير، وقال القزاز : والمقمح : الشاخص بعيينه الرافع رأسه.
أبو عمرو : والقامح من الإبل هو الذي لا يشرب وهو عطشان عطشاً شديداً ولا تقبل نفسه الماء، والقمح مصدر قمحت الشيء والاقتماح : أخذك الشيء في راحتك ثم تقمحه في فيك أي تبتلعه، والاسم القمحة كاللقمة والأكلة - انتهى.
وكأن المقمح من هذا لأن هيئته عند هذا الابتلاع رفع رؤوسهم عن النظر إلى الداعي تكبراً بحيث لو أمكنهم أن يسكنوا الجو لهم يتأخروا صلافة وتيهاً، أو لأنهم يتركون هذا الأمر العظيم الحسن الجدير بأن تقبل عليه ويتروى منه وهم في غاية الحاجة إليه، فهم ذلك كالبعير القامح، إنما منعه من الماء
٢٤٦
مع شدة عطشه مانع عظيم أقمحه، ولكنه خفي أمره فلم يعلم ما هو، ولذلك بنى الاسم للمفعول إشارة إلى أنهم مقهورون على تفويت حظهم من هذا الأمر الجليل.
ولما كان الرافع رأسه غير ممنوع من النظر أمامه قال :﴿وجعلنا﴾ أي بعظمتنا.
ولما كان المقصود حجبهم عن خير مخصوص، وهو المؤدي إلى السعادة الكاملة لا عن كل ما ينفعهم، أدخل الجار فقال :﴿من بين أيديهم﴾ أي الوجه الذي يمكنهم علمه ﴿سداً﴾.
ولما كان الإنسان إذا انسدت عليه جهة مال إلى أخرى قال :﴿ومن خلفهم﴾ أي الوجه الذي هو خفي عنهم، وأعاد السد تأكيداً لإنكارهم ذلك وتحقيقاً لجعله فقال :﴿سداً﴾ أي فصارت كل جهة يلتفت إليها منسدة، فصاروا لذلك لا يمكنهم النظر إلى الحق ولا الخلوص إليه، فلذلك قال :﴿فأغشيانهم﴾ أي جعلنا على أبصارهم بما لنا من العظمة غشاوة ﴿فهم﴾ أي بسبب ذلك ﴿لا يبصرون﴾ أي لا يتجدد لهم هذا الوصف من إبصار الحق وما ينفعهم ببصر ظاهر وبصيرة باطنة أصلاً.


الصفحة التالية
Icon