ولما بين الأصل الثاني هو الرسالة واتبعها ثمرتها المختومة بالبشارة، وكان الأصل الثالث في الإيمان - وهو البعث - سبباً عظيماً في الترقية إلى اعتقاد الوحدانية التي هي الأصل الأول، وكان أكثر الخائفين مهه سبحانه مقتراً عليهم في دنياهم منغضة عليهم حياتهم، علل هذه البشارة إعلاماً بأن هذا الأجر في هذه الدار بالملابس الباطنة الفاخرة من المعارف والسكينة والبركات والطمأنينة، وبعد البعث بالملابس الطاهرة الزاهرة المسببة عن الملابس الدنيوية الباطنة الخفية من غير أهلها، بشارة لهم ونذارة للقسم الذي قبلهم بقوله، مقدماً للبعث لما ذكر من فائدته، لافتاً القول إلى مظهر العظمة إيذاناً بعظمة ههذ المقاصد وبأنه لا يحمي لهؤلاء الخلص مع قلتهم ومباينتهم للأولين مع كثرتهم إلا من له العظمة الباهرة :﴿إنا نحن﴾ أي بما لنا من العظمة التي لا تضاهى ﴿نحيي﴾ أي بحسب التدريج الآن وجملة في الساعة ﴿الموتى﴾ أي كلهم حساً بالبعث ومعنى بالإنقاذ إذا أردنا من ظلم الإجمال ﴿ما قدموا﴾ من جميع أفعالهم وأحوالهم واقوالهم جملة عند نفخ الروح ﴿وآثارهم﴾ أي سنتهم التي تبقى من بعدهم صالح كانت أو غير صالحة، ونجازي كلاً بما يستحق في الدار الآخرة التي الجزاء فيها لا ينقطع، فلا أكرم منه إذا كان كريماً.
ولما كان ذلك ربما أوهم الاقتصار هلى كتابة ما ذكر من أحوال الآدميين أو
٢٤٨
الحاجة إلى الكتابة، دل على قدرته على ما لا تمكن القدرة عليه لأحد غيره في أقل قليل مما ذكر، فكيف بما فوقه، فقال ناصباً عطفاً لفعليه وهي " تكتب " :﴿وكل شيء﴾ أي من أمر الأحياء وغيرهم ﴿أحصيناه﴾ أي قبل إيجاده بعلمنا القديم إحصاء وكتبناه ﴿في إمام﴾ أي كتاب هو أهل لأن يقصد ﴿مبين*﴾ أي لا يخفى فيه شيء من جميع الأحوال على أحد أراد علمه منه، فلله ههذ القدرة الباهرة والعظمة الظاهرة والعزة القاهرة، فالآية من الاحتباك : دل فعل الإحصاء على مصدره وذكر الإمام على فعل الكتابة.


الصفحة التالية
Icon