جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٨
ولما انتهى الكلام إلى هنا، وكان مقصود السورة كما سلفت إثبات الرسالة لإنذار يوم الجمع، وكان الإنذار غاية، وكانت الغايات هي المقاصد بالذات، وكانت غاية الإنذار اتباع الذكر، فكان ذلك غاية الغاية، كان الكلام على المتبعين أولى عليهم القول والكلام على اليوم المنذر به، فلذلك ضرب المثل الجامع لذلك كله، ومر إلى أن صور البعث تصويراً لم يتقدم مثله، ثم عطف بآية الطمس وما بعدها على القسم المعرض، ثم رجع إلى الكلام على الرسول والكتاب.
ولما دل سبحانه على ما له من القدرة الكاملة بالأفعال الهائلة من كل من الإماتة والإحياء الحسيين والمعنويين إبداء وإعادة، وكان ضرب الأمثال بالمشاهدات ألصق شيء بالبال، وأقطع للمراء والجدال، وأكتشف لما يراد من الأحوال، قال عاطفاً على ﴿فبشره﴾ مبيناً للأصل الثالث الذي هو الأول بالأصالة المقصود بالذات، وهو التوحيد، ضامّاً إليه الأصلين الاخرين، ليكون المثل جامعاً، والبرهان به واضحاً ساطعاً :﴿واضرب لهم﴾ أي لأجلهم بشارة بما يرجى لهم عند إقبالهم، ونذارة لما يخشى عليهم عند إعراضهم وإدبارهم ﴿مثلاً﴾ أي مشاهداً في إصرارهم عند إقبالهم، ونذارة لما يخشى وصبره عليهم ولطفه بهم، لأنا ختمنا على قلوبهم على الكفران مع قربهم منك في النسب والدار، وفوز غيرهم لأنا نورنا قلوبهم مع البعد في النسب والدار بالإيمان وثمراته الحسان، لأنهم يخشون الرحمن بالغيب، ولا يثبتون على الغباوة والريب.
ولما ذكر المثل، أبدل منه قوله :﴿أصحاب القرية﴾ التي هي محل الحكمة واجتماع الكلمة وانتشار العلم ومعدن الرحمة.
ولما كان الممثل به في الحقيقة إنما هو إخبارها بأحوال أهلها لأنها وجه الشبه، وكانت إخبارها كثيرة في أزمنة مديدة، وعين المراد بقوله :﴿إذ﴾ وهي بدل اشتمال من القرية مسلوخة من الظرفية.


الصفحة التالية
Icon