ولما كان الآتي ناحية من بلد وإن عظم يعد في العرف آتياً لذلك البلد، أعاد الضمير على موضع الرسالة
٢٤٩
تحقيقاً له وإبلاغاً في التعريف بمقدار بعد الأقصى فقال :﴿جاءها﴾ أي القرية لإنذار أهلها ﴿المرسلون*﴾ أي عن الله لكونهم عن رسوله عيسى عليه السلام أرسلهم بأمره لإثبات ما يرضيه سبحانه ونفي ما يكرهه الذين هم من جملة من قيل في فاطر إنهم جاؤوا بالبينات وبالزبر، والتعريف إما لكونهم يعرفون القرية ويعرفون أمرها، وإما لأنه شهير جداً فهم بحيث لو سألوا أحداً من أهل الكتاب الذين يعتنون بها اخبرهم به، لأنه قد عهد منهم الرجوع إليهم بالسؤال ليبينوا لهم - كما زعموا - مواضع الإشكال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٨
ولما كان أعظم مقاصد السياق تسلية النبي ﷺ في توقفهم عن المبادرة إلى الإيمان به مع دعائه بالكتاب الحكيم إلى صراط المستقيم، وكان في المشاركة في المصائب أعظم تسلية، أبدل من قوله ﴿إذ جاءها﴾ تفصيلاً لذلك المجيء قوله، مسنداً إلى نفسه المقدس لكونه أعظم في التسلية :﴿إذ أرسلنا﴾ أي على ما لنا من العظمة.
ولما كان المقصود بالرسالة أصحابها قال :﴿إليهم اثنين﴾ أي ليعضد أحدهما الآخر فيكون أشد لأمرهما فأخبراهم بإرسالها إليهم كأن قالا : نحن رسولان إليكم لتؤمنوا بالله ﴿فكذبوهما﴾ أي مع ما لهما من الآيات، لأنه من المعلوم أنا ما أرسلنا رسولاً إلا كان معه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، سواء كان عنا من غير واسطة أو كان بواسطة رسولنا، كما كان للطفيل بن عمرو الدوسي ذي النور لما ذهب إلى قومه وسأل النبي ﷺ أن تكون آية فكانت نوراً في جبهته، ثم سأل في غير وجهه فكانت في سوطه.