ولما كان التضافر على الشيء أقوى لشأنه، وأعون على ما يراد منه، سبب عن ذلك قوله حاذفاً المفعول لفهمه من السياق، ولأن المقصود إظهار الاقتدار على إيقاع الفعل وتصريفه في كل ما أريد له :﴿فعززنا﴾ أي فأوقعنا العزة، وهي القوة والشدة والغلبة، لأمرنا أو لرسولنا بسبب ما وقع لهما من الوهن بالتذكيب فحصل ما أردنا من العزة - بما أشارت إليه قراءة أبي بكر عن عاصم بالتخفيف ﴿بثالث﴾ أرسلناه بما أرسلناهما به ﴿فقالوا﴾ أي الثلاثة بعد أن أتوهم وظهر لهم إصرارهم على التكذيب، مؤكدين بحسب ما رأوا من تكذيبهم :﴿إنا إليكم﴾ أي لا إلى غيركم ﴿مرسلون* قالوا﴾ أي أهل القرية :﴿ما أنتم﴾ أي وإن زاد عددكم ﴿إلا﴾ ولما نقض الاستثناء النفي زال شبهة ما تلبس فزال عملها فارتفع قوله :﴿بشرمثلنا﴾ أي فما وجه الخصوصية لكم
٢٥٠
في كونكم رسلاً دوننا، ولما كان التقدير : فما أرسلتم إلينا بشيء، عطفوا عليه قوله :﴿وما أنزل الرحمن﴾ أي العام الرحمة، فعموم رحمته مع استوائنا في عبوديته تقتضي أن يسوي بيننا في الرحمة فلا يخصكم بشيء دوننا، وأعرقوا في النفي بقولهم :﴿من شيء﴾.
ولما كان الإيتان على ما ذكر محتملاً للغلط نحوه، قالوا دافعين لذلك :﴿إن﴾ أي ما ﴿أنتم إلا تكذبون*﴾ أي حالاً ومآلاً ﴿قالوا﴾ أي الرسل :﴿ربنا﴾ أي الذي لو لم يكن لنا وازع عن الكذب عليه إلا إحسانه إلينا لكان كافياً ﴿يعلم﴾ أي ولذلك يظهر على أيدينا الآيات، ويحمينا ممن يكيدنا، وهذه العبارة تجري مجرى القسم، وكذا نحو ﴿شهد الله﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٨
ولما واجهوهم بهذا التكذيب المبالغ في تأكيده زادوا في تأكيد جوابه فقالوا :﴿إنا إليكم﴾ أي خاصة ﴿لمرسلون*﴾ ما أتيانكم غلطاً ولا كذباً، فالأول ابتداء أخبار، وهذان جوابا إنكار، فأعطى كلاًّ ما يستحق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٨


الصفحة التالية
Icon