ولما قرروا ذلك عندهم، اتبعوه بدليله وبالإعلام بأن وبال التكذيب لا يحلقهم منه ضرر، إشارة لهم إلى الإنذار من عذاب الملك الجبار فقالوا :﴿وما علينا﴾ أي وجوباً من قبل من أرسلنا، وهو الله تعالى الذي له الأمر كله ﴿إلا البلاغ المبين*﴾ أي المؤيد بالأدلة القطعية من الحجج القولية والفعلية بالمعجزات وغيرها، فلولا أنه يعلم لما أمكننا شيء من ذلك كما أن آلهتكم لما لم يكن لها علم لم يقدروا على بيان في أمرها بشيء، وإذ قد ثبت علم مرسلنا برسالتنا فهو الشاهد لنا بما يظهر على أيدينا وكفى به شهيداً.
ولما كان حلول الصالحين بين الناس يكون تارة نعمة وأخرى نقمة باعتبار التصديق والتكذيب والإساءة والإحسان، فكان قد حصل لهؤلاء الذين كذبوا هؤلاء الرسل بلاء لتكذيبهم لهم من جدب الأرض وصعوبة الزمان، ونحو ذلك من الامتحان، ذكر ما أثره ذلك عند أهل القرية فقال :﴿قالوا﴾ ولما كانوا لما يرون عليهم من الآيات
٢٥١
وظاهر الكرامات مما يشهد ببركتهم ويمن نقيبتهم إذا ذموهم توقعوا تكذيب الناس لهم، أكدوا قولهم :﴿إنا تطيرنا﴾ أي حملنا أنفسنا على الطيرة والتشاوم تطيراً ظاهراً - بما أشار إليه الإظهار بخلاف ما في النمل والأعراف ﴿بكم﴾ بنسبة ما حل بنا من البلاء إلى شومكم، لأن عادة الجهال التيمن بما مالوا إليه ويسندون ما حل بهم من نعمة إلى يمنة والتشاوم بما كرهوه، ويسندون ما أصابهم من نقمة إلى شومه! ثم إنهم استأنفوا استئناف النتائج قولهم على سبيل التأكيد إعلاماً بأن ما أخبروا به لا فترة لهم عنه وإن كان مثلهم مستبعداً عند العقلاء :﴿لئن لم تنتهوا﴾ أي عن دعائكم هذا ﴿لنرجمنكم﴾ أي لنشتمنكم أو لنرمينكم بالحجارة حتى تنتهوا أو لنقتلنكم شر قتلة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥١


الصفحة التالية
Icon