ولما كان الإنسان قد يفعل ما لا يؤخذ أثره فقالوا معبرين بالمس دون الإمساس :﴿وليمسنكم منا﴾ أي عاجلاً لا من غيرنا كما تقولون أنتم في تهديدكم إيانا بما يحل بنا ممن أرسلكم :﴿طائركم﴾ أي شومكم الذي أحل لكم البلاء ﴿معكم﴾ وهو أعمالكم القبيحة التي منها تكذيبكم.
ولما كان لم يبد منهم ما يقتضي عند النظر الصحيح التيمن والبركة، وهو التذكير بالله الذي بيده الخير كله، أنكروا عليهم تطيرهم منهم على وجه مبين أنه لا سبب لذلك غيره فقالوا :﴿أئن ذكرتم﴾ أي الأجل إن حصل لكم تذكير بالله تطيرتم بنا ؟ ولما كان ذلك لا يصح أن يكون سبباً للتطير بوجه، أضربوا عنه منبهين لهم على أن موضع الشوم إسرافهم لا غير فقالوا :﴿بل﴾ أي ليس الأمر كما زعمتم في أن التذكير سبب للتطير بل ﴿أنتم قوم﴾ أي غركم ما آتاكم الله من القوة على القيام فيما تريدون ﴿مسرفون*﴾ أي عادتكم الخروج عن الحدود والطغيان فعوقبتم لذلك.
ولما كان السياق لأن الأمر بيد الله، فلا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى، فهو يهدي البعيد في البقعة والنسب إذا أراد، ويضل القريب فيهما إن شاء، وكان بعد الدار ملزوماً في الغالب لبعد النسب، قدم مكان المجيء على فاعله بياناً لأن الدعاء نفع الأقصى ولم ينفع الأدنى فقال :﴿وجاء من أقصا﴾ أي أبعد - بخلاف ما مر في سورة القصص ؛ ولأجل هذا الغرض عدل عن التعبير بالقرية كما تقدم وقال :﴿المدينة﴾ لأنها أدل على الكبر المستلزم لبعد الأطراف وجمع الأخلاط.
ولما بين الفاعل بقوله :﴿رجل﴾ بين اهتمامه بالنهي عن المنكر ومسابقته إلى إزالته كما هو الواجب بقوله :﴿يسعى﴾ أي يسرع في مشيه فوق المشي ودون العدوحرصاً على نصيحة قومه.
ولما تشوفت النفس إلى الداعي إلى إيتانه، بينه قوله :﴿قال﴾ واستعطفهم بقوله :﴿يا قوم﴾ وأمرهم بمجاهدة النفوس بقوله :﴿اتبعوا المرسلين*﴾ أي في عبادة الله وحده
٢٥٢