ولما أمر صريحاً ونهى تلويحاً، ورغب ورهب، ووبخ وقرع، وبين جلالة من آمن به ومن كانوا سبباً في ذلك، أنكر على من يفعل غيره بالإنكار على نفسه، محقراً لمن عبدوه من دون الله وهو غارقون في نعمه، فقال مشيراً بصيغة الافتعال إلى أن ذلك مخالفة للفطرة الأولى :﴿ءأتخذ﴾ وبين علو رتبته سبحانه بقوله :﴿من دونه﴾ أي سواء مع دنو المنزلة ؛ وبين عجز ما عبدوه بتعدده فقال :﴿آلهة﴾ ثم حقق ذلك بقوله مبيناً بأداة الشك أن النفع أكثر من الضر ترغيباً فيه سبحانه :﴿إن يردن﴾ إرادة خفيفة بما أشار إليه حذف الياء، أو شديدة بما أشار إليه إثباتها، ظاهرة بما دل تحريكها، أو خفية بما نبه عليه إسكانها.
ولما ذكرهم بإبداعه سبحانه له إرشاداً إلى أنهم كذلك، صرح بما يعمهم فقال :﴿الرحمن﴾ أي العام النعمة على كل مخلوق من العابد والمعبود، وحذرهم بقوله :﴿بضر﴾ وأبطل أنهى ما يعتقدونه فيها بقوله :﴿لا تعن عني﴾ أي وكل أحد مثلي في هذا ﴿شفاعتهم﴾ وأبطل ما يعتقدونه فيها بقوله :﴿لا تغن عني﴾ أي وكل أحد مثلي في هذا ﴿شفاعتهم﴾ أي لو فرض أنهم شفعوا ولكن شفاعتهم لا توجد ﴿شيئاً﴾ من إغناء.
و لما دل بافراد الشفاعة على عدهم عدما ولو اتحدت شفاعتهم وتعاونهم في آن
٢٥٣
واحد، دل بضمير الجميع على أنهم كذلك سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين فقال :﴿ولا ينقذون*﴾ أي من مصيبته إن دعا الأمر إلى المشاققة بما أراد فأنه بمجرد إرادته يكون مراده، إنفاذاً ضعيفاً - بما أشار إليه من حذف الياء، ولا شديداً - بما دل عليه من أثبتها ظاهراً خفياً، ثم استأنف ما يبين بعد ذلك عن فعل العقلاء الناصحين لأنفسهم بقوله مؤكداً له بأنواع التأكيد لأجل إنكارهم له بعدم رجوعهم عن معبوداتهم :﴿إني إذاً﴾ أي إذا فعلت ذلك الاتخاذ ﴿لفي ظلال﴾ أي محيط بي لا أقدر معه على نوع اهتداء ﴿مبين*﴾ أي واضح في نفسه لمن لم يكن مظروفاً له، موضح لكل ناظر ما هو فيه الظلام.


الصفحة التالية
Icon