جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٩
ولما كان الأصل في هذا الوجود الظلام، والضياء حادث، وكان ضياؤه ليس خالصاً، عبر بـ " من " التي تصلح للملابسة مع التخلل في الأجزاء فقال :﴿منه النهار﴾
٢٦١
أي الذي كان مختلطاً به بإزالة الضوء وكشفه عن حقيقة الليل ﴿فإذا هم﴾ بعد إزالتنا للنهار الذي سلخناه من الليل ﴿مظلمون*﴾ أي داخلون في الظلام بظهور الليل الذي كان الضياء ساتراً كما يستر الجلد الشاة، قال الماوردي : وذلك أن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فإذا خرج منه أظلم - نقله ابن الجوزي عنه، وقد أرشد السياق حتماً إلى أن التقدير : والنهار نسلخ منه الليل الذي كان سانره وغالباً عليه فإذا هم مبصرون.
ولما ذكر الوقتين، ذكر آيتيهما فقال :﴿والشمس﴾ أي التي سلخ النهار من الليل بغيبوبتها ﴿تجري﴾ ولما كان غيابها بالليل مثل سكون الإنسان في مبيته، وجعلها على خط قدر لسيرها كل يوم بتقدير لا زيع فيه ومنهاج لا يعوج، قال :﴿لمستقر﴾ أي عظيم ﴿لها﴾ وهو السير الذي لا تعدوه جنوباً ولا شمالاً ذاهبة وآئبة، وهي فيه مسرعة - بدليل التعبير باللام في موضع " إلى " ويدل على هذا قراءة " لا مستقر لها " بل هي جارية ابداً إلى انقراض الدنيا في موضع مكين محكم هو أهل للقرار، وعبر به مع أنها لا تستقر ما دام هذا الكون لئلا يتوهم أن دوام حركتها لأجل أن موضع جريها لا يمكن الاستقرار عليه، ولا ينافي هذا ما في صحيح البخاري وفي كتاب الإيمان من صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال "مستقرها تحت العرش، وأنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها" هذا لفظ مسلم، وسيأتي لفظ البخاري، ويمكن أن يكون المستقر آخر جريها عند إبادة هذا الوجود.


الصفحة التالية
Icon