ولما كانوا عالمين بأن جزاء ما أسلفوا كل خزي، اتبعوه قولهم حاكياً سبحانه عبارتهم إذ ذاك لأنه أنكى لهم :﴿يا ويلنا﴾ أي ليس بحضرتنا اليوم شيء ينادمنا إلا الويل، ثم استفهوا جرباً على عادتهم في الغباوة فقالوا مظهرين
٢٦٨
لضميرهم تخصيصاً بهم لأنهم في معرض الشك :﴿من بعثنا من مرقدنا﴾ عدوا مكانهم الذين كانوا به - مع ما كانوا فيه من عذاب البرزخ - مرقداً هنيئاً بالنسبة إلى ما انكشف لهم أنهم لا قوة من العذاب الأكبر، ووحده إشارة إلى أنهم يحذرونه من أن الله هو يبعثهم للجزاء الذي هو رحمة الملك لأهل مملكته، فقالوا مجيبين لأنفسهم استئنافاً :﴿هذا ما﴾ أي الوعد الذي ﴿وعد﴾ أي به، وحذفوا المعفول تعميماً لأنهم الآن في حيز التصديق ﴿الرحمن﴾ أي العام الرحمة الذي رحمانيته متقضية ولا بد للبعث لينصف المظلوم من ظالمه، ويجازي كلاًّ بعمله من غير حيف، وقد رحمنا بإرسال الرسل إلينا بذلك، وطال ما أنذرونا حلوله، وحذرونا صعوبته وطوله.
ولما كان التقدير : فصدق الرحمن، عطف عليه قوله :﴿وصدق﴾ أي في أمره ﴿المرسلون*﴾ أي الذين أتونا بوعده ووعيده، فالله الذي تقدم وعده به وأرسل به ورسله هو الذي بعثنا تصديقاً لوعده ورسله.


الصفحة التالية
Icon