العقل - تغلب عليه الإنس بنفسه حتى يصير مثلاً فقال :﴿الإنسان﴾ أي جنسه منهم ومن غيرهم وإن كان الذي نزلت فيه واحداً ﴿أنا خلقناه﴾ بما لنا من العظمة ﴿من نطفة﴾ أي شيء يسير حقير من ماء لا انتفاع به بعد إبداعنا أباه من تراب وأمه من لحم وعظام ﴿فإذا هو﴾ أي فتسبب عن خلقنا له من ذلك المفاجأة لحالة هي أبعد شيء من يريده حتى أنه ليجادل من أعطاء العقل والقدرة في قدرته، أنشد الأستاذ أبو القاسم القشيري في ذلك :
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعدوه رماني
ولما كان التقدير : فبعد - مع أنا تفردنا بالإنعام عليه - عيرنا وخاصم - بما خلقناه له من اللسان وآتيناه من البيان - رسلنا وجميع أهل ودنا، عطف عليه قوله مقبحاً إنكارهم البعث تقبيحاً لا يرى أعجب منه، ولا أبلغ ولا أدل على التمادي، في الضلال والإفراط في الجحود وعقوق الأيادي :﴿وضرب﴾ أي هذا الإنسان ؛ وسبب النزول أبي بن خلف الجمحي الذي قتله النبي ﷺ بأحد مبارزة، فهو المراد بهذا التبكيت بالذات وبالقصد الأول ﴿لنا﴾ أي على ما يعلم من عظمتنا ﴿مثلاً﴾ أي آلهته التي عبدها لكونها لا تقدر على شيء مكابراً لعقله في أنه لا شيء يشبهنا ﴿ونسي﴾ أي هذا الذي تصدى على نهاية أصله لمخاصمة الجبار، وأبرز صفحته لمجادلته، والنسيان هنا يحتمل أن يكون بمعنى الذهول، وأن بكون بمعنى الترك ﴿خلقه﴾ أي خلقنا لهذا المخاصم الدال على كمال قدرتنا، وصار مقولاً له : يا قليل الفطنة! أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ أفلا تذكرون ؟ ثم استأنف الإخبار عن هذا المثل بالإخبار عن استحالته لأن يقدر أحد على إحياء الميت كما أن معبودانه لا تقدر على ذلك فقال :﴿قال﴾ أي على سبيل الإنكار :﴿من يحيي﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٤