ولما كانت الإفاضة مسببة عن حسن التلقي المسبب عن تفريغ البال المسبب عن هيبة المفيد، وكان فيض التلاوة أعظم الفبض قال :﴿فالتاليات﴾ أي التابعات استدلالاً على قولهم وفعلهم وتمهيداً لعذرهم وتشريفاً لقدرتهم، وتكميلاً لغيرهم :﴿ذكراً﴾ أي موعظة وتشريفاً وتذكيراً من ذكر ربهم غفاضة على غيرهم من روح العلم وإدغام التاء في الصاد والزاي والذال إشارة إلى أن ذلك مع هوله وعظمه قد يخفى من غير من يريد الله إطلاعه عليه، فقد قطعت الصيحة قلوب الكفرة من ثمود وغيرهم، ولم تؤثر فيمن آمن منهم، وقد كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي ﷺ ما يأتي به من القرآن والصحابة رضي الله عنهم حوله لا يستمعون شيئاً منه - والله الموفق ﴿إن إلهكم﴾ أي الذي اتخذتم من دونه آلهة ﴿لواحد*﴾ أي فإن التفرق لا يأتي بخير، لما يصحبه من العجز البعيد جداً عن الكمال الذي لا تكون الإلهية أصلاً إلا معه، فإليه لا إلى غيره ترجعون ليفصل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون، وهو الذي أنزل هذا الكتاب بعزته ورحمته وحرسه من اللبس وغيره بما سيذكر من كبريائه وعظمته ولو لم يكن واحداً لاختل أمر هذا الاصطفاف والزجر والتلاوة، وما يترتب عليها، فاختل نظام هذا الوجود الذي نشاهده كما نشاهد في أحوال الممالك عند اختلاف الملوك في تغيير العوائد ونسخ الشرائع التي كان من قبلها أطدها وجميع ما له من الآثار والخصائص، ونحن نشاهد هذا الوجود على ما أحكمه سبحانه وتعالى لا يتغير شيء منه عن حاله الذي حده له، فعلمنا أنه واحد لا محالة متفرد بالعظمة، لا كفوء له من غير شك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٩


الصفحة التالية
Icon