بكونها فيما دونها من الجو فبظن أنها فيها، أو يكونها فيها من جانبها الذي يلينا، أو بكونها تشف عنها وإن كان بعضها فيما هو أعلى منها، وزينتها انتظامها وارتسامها على هذا النظم البديع في أشكال متنوعة وصور مستبدعة ما بين صغار وكبار، منها ثوابت ومنا سيارة وشوارق وغوارب - إلى غير ذلك من الهيئات التي لا تحصى، ولا حد لها عند البعاد العجزة فيستقصى.
ولما كان كون الشيء الواحد لأشياء متعددة أدل على القدرة وأظهر في العظمة، قال دالاً بالعطف على غير معطوف عليه ظاهر على مقدر يدل على أن الزينة بالنجوم أمر مقصود لا اتفاقي :﴿وحفظاً﴾ أي زيناها بها للزينة وللحفظ ﴿من كل شيطان﴾ أي بعيد عن الخير محترق.
ولما كان القصد التعميم في الحفظ من كل عاتٍ سواء كان بالغاً في العتو أو لا قال :﴿مارد*﴾ أي مجرد عن الخير عاتٍ في كل شر سواء كان بالغاً في ذلك أقصى الغايات أو كان في أدنى الدرجات كضارب وضراب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨٩
ولما كان المراد في سورتي النساء والحج ذم الكفرة بفعل ما ليس في كونه شراً لبس، وبوضع النفس باتباع ما لا شك في دناءته ببعده عن الخير بعد الإخفاء به، عبر بالمريد للمبالغة، وكما أنه حرس السماء المحسوسة بما ذكره سبحانه وتعالى فكذلك زين عز وجل قلوب الأولياء التي هي كالسماء لأراضي أجسامهم بنجوم المعارف، فإذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فرشقته شهب أحوالهم ومعارفهم وأقوالهم.
ولما تشوف السامع إلى معرفة هذا الحفظ وثمرته وبيان كيفيته، استأنف قولاً :﴿لا يسمعون﴾ أي الشياطين المفهومون من كل شيطان، لا يتجدد لهم سمع أصلاً، قال ابن الجوزي : قال الفراء :﴿لا﴾ هنا كقوله " كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به " ويصلح في ﴿لا﴾ على هذا المعنى الجزم، والعرب تقول : ربطت في شيء لا ينفلت - انتهى.